للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حقيقةً {فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ}]، فإذا ذهَبَ الخَوْفُ صار هؤلاءِ الذين كانوا حين الخَوْف كالمَغشِيِّ عليه من الخَوْف صاروا يَنطِقون بطَلاقةِ، {سَلَقُوكُمْ} يَعنِي: أَصابوكم بشِدَّة {بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} أي: شَديدةٍ قوِيَّةٍ.

والمُراد بالأَلسِنة هنا الكلامُ؛ لأن الكلام يُعَبَّر عنه باللسان، المَعنى: أنهم يُجادِلون ويُناظِرون ويَقولون: نحن معَكم، نحن نُساعِد، نحن خرَجنا، وما أَشبَه ذلك، كما قال اللَّه تعالى في سورة النساء: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} [النساء: ١٤١] وأبْدَوا وأَعَادوا في غَلبتهم للمُسلِمين؛ لأنه لا شَكَّ أن الإنسان قد يَغلِب خَصْمه بالكلام كما قال اللَّه تعالى في قِصَّة داودَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: ٢٣] غلَبَني، والإنسان اللَّسِن الذي عنده بَيان وعنده

فَصاحة قد يَغلِب ولو كان على باطِل.

ولهذا قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِليَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِىَ لَهُ بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ" (١)، يَعنِي: وإن كان على باطِل؛ فالإنسان قد يَغلِب ببَيانِه الحقَّ؛ ولهذا كما تَعلَمون جاء في الحديث الصحيح: "إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا" (٢)، فهؤلاءِ المُنافِقون الذين في حال الخوف على الصورة التي صوَّرها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} لكِن {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ} واطمَأنُّوا {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} يَعنِي: أَصابوكم بشِدَّة بهذه الأَلسِنة الحِداد.


(١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم والغصب، باب إثم من خاصم في باطل، رقم (٢٤٥٨)، ومسلم: كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، رقم (١٧١٣)، من حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب الخطبة، رقم (٥١٤٦)، من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>