للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما صلَّى حتى تَبْطُل، لكن هذا بُطلانُ ما لم يَتِمَّ.

أو جَوابٌ ثانٍ: أن نَقول: {فَأَحْبَطَ اللَّه أَعْمَالَهُمْ}: إن أعمالهم ظاهِره الصِّحَّة، لأنه من قَوْمٍ يَدَّعون الإِسلام، ويَفعَلونها على ظاهِر الشَّرْع، لكنها في الواقِع باطِلةٌ؛ لعدَم الأساس.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَهَمِّية الإِخْلاص للَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لقوله تعالى: {أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ}، فجَعَل الإِحْباط فَرْعًا عن عدَم الإيمان, وهذا يَدُلُّ على أنَّ الرَّكيزة الأصلِيَّة للأعمال هي الإيمان.

وهل يُؤخَذ من الآية الكريمة أن الأَعْمال تَزدادُ قوَّةً بقُوَّةِ الإيمانِ وفَضْلًا؟

الجوابُ: نعَم؛ لأنه لمَّا حبِط العمَلُ لِعَدَم الإيمان دلَّ هذا أنه يَقوَى بقُوَّة الإيمان؛ ولهذا قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الصحابة: "لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ" (١)، فالعمَل واحِد، لكن العامِل مُختَلِف، ففَرْق بين مَن يَعمَل بإيمان راسِخٍ قوِيٍّ كأنما يُشاهِد الثَّواب له بعَيْنه، وبين شَخْصٍ ليس على هذه الحالِ.

فإِذَن: تَفاضُلُ الأعمال يَكون مَبنِيًا على تَفاضُل ما في القُلوب، ويُذكَر عن بعض السَّلف أنه قال: واللَّهِ ما سبَقَهم أبو بَكْر بكَثْرة صِيامٍ ولا صَلاةٍ، ولكنه سبَقَهم بما وقَرَ في قَلْبه -رضي اللَّه عنه- من الإيمان العَظيم الراسِخ (٢).


(١) أخرجه البخاري: كتاب أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو كنت متخذًا خليلًا"، رقم (٣٦٧٣)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة؛ باب تحريم سب الصحابة -رضي اللَّه عنهم- رقم (٢٥٤١) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-.
(٢) ذكره ابن تيمية في منهاج السنة (٦/ ٢٢٣)، عن أبي بكر بن عياش، وذكره صاحب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: ٤٨) عن بكر بن عبد اللَّه المزني.

<<  <   >  >>