وهذه الآيةُ إِنْ قُلْنا بأنها تَشْمَلُ الفَاحِشَة التي هي الزِّنا، والفاحِشة التي هي بَذاءة اللسان؛ فإن ذلك لا يَعنِي أنه يَقَع مِنهن، لأنَّ الشَّرْط لا يَلزَم وقوعه، كما قال اللَّه تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}[الزخرف: ٨١]، وهل يُمكِن ذلك؟ ! لا يُمكِن؛ وقال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢]، وهل يُمكِن ذلك؟ لا يُمكِن، وقال تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزُمَر: ٦٥]، لا يُمكِن هذا أبدًا، فالإِتْيان بالشيء مُعلَّقًا بالشَّرْط لا يَلزَمُ منه جَواز وقوع الشَّرْط، وعلى هذا فلْتكُنِ الآيةُ {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ} شامِلة للزِّنا، لكن هذا شيء محُالٌ.
أمَّا إذا قُلْنا: إن المُراد بالفاحِشة هي سَلاطة اللِّسان، والخُروج بالقَوْل عن المَألوف والمُروءة، فهذا قد يَقَع من النِّساء حتى من أُمَّهات المُؤمِنين -رضي اللَّه عنهن- ولا عَيْبَ عليهن في ذلك، لأنه من طَبيعة النِّساء: الغَيْرة، وعدَم حِفْظ اللسان، وعدَم التَّأنِّي في الأمور، وأيًّا كان فإن اللَّه عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ يَقول:{مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} وذلك لشَرَفها وعُلوِّ مَنزِلتها، فكان الذَّنْب منها أَعظَمَ من الذَّنْب من غيرها؛ ولهذا إذا زَنَتِ الحُرَّة تُجْلَدُ أو تُرْجَم، وإذا زنَتِ الأَمَة فليس عليها إلَّا نِصْف ما على المُحصَنات من العَذاب؛ لشَرَف الأُولى وانحِطاط مَرْتَبة الثانية، فزَوْجات الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لهُنَّ من المَقام الرفيع، والحِصْن المَنيع ما يَقتَضي أن يُضاعَف العذابُ عَلَيْهن، إذا أتَيْن بفاحِشة مُبيِّنة، ولهذا قال تعالى {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}:
فإذا كان جَزاء سَيِّئة سيِّئةً مِثْلَها، فجزاءُ السَّيِّئة التي ذكَر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هنا الفاحِشة المُبيِّنة بالنِّسبة لزَوْجات الرسول سَيِّئتان، جَزاؤها سَيِّئتان؛ ولهذا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}، أي: يُكرِّر عليها مرَّتَيْن، وكان ذلك،