يَعنِي: إن كُنْتُنَّ مُتَّقِيات للَّه تعالى حقيقةً فلا تَقِسْنَ أنفسَكن بغَيركن فلَسْتُنَّ كأحَد من النساء؛ لمِا لهُنَّ من المَزِيَّة بالاتِّصال برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان عليهن من حِماية فِراشه أعظَمُ ممَّا على غَيْرهن من حِماية فُرُش أزواجِهن، لعِظَم حقِّ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وعُلوِّ مَرتبته.
فالفَرْق عظيم بين فِراش النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وفِراش غيره، ولهذا مَن قذَف زوجة من زَوجات الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بالزِّنا كان كافِرًا، ومَن قذَف زَوْجة غيره لم يَكُن كافِرًا؛ لأنَّ قَذْف زوجة من زَوْجات الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مَعناه: الطَّعْن في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنَّه -والعِياذُ باللَّه- خبيثٌ؛ لأنَّ اللَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يَقول:{لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ}.
فعَلى هذا تَكون حِماية فِراش النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أعظَمُ وُجوبًا من حِماية فِراش غيره.
ولهذا قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} للرِّجَال] الخُضوع بمَعنَى: التَّطامُن والذُّلِّ والخُنوع، فالمَعنَى: لا تَتَطامَنَّ ولا تَذلَّلَنَّ ولا تَخنَعنَّ لأحَد من الرِّجال بالقَوْل، يَعنِي: لا يَكُن قوُلكن في مُخَاطَبة الرِّجال رقيقًا وَضيعًا هيِّنًا، لأنَّ المَرأة فِتْنة، فإذا خضَعَت بالقَوْل دبَّ الشيطان بينها وبين الرجُل الذي تُخَاطِبه مهما كان الإنسانُ من شَرَف ومن نزاهة، فإن المرأة إذا خاطَبَته بصوت خاضِع؛ فإنها قد تَغُرُّه؛ ولهذا قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْل وَدِين أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ"(١).
والرجُل الحازِم الفَطِن الكَيِّس لا أحَدَ يُذهِب لُبَّه، أي: عَقْله مِثل ما تُذْهِبُه
(١) أخرجه البخاري: كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، رقم (٣٠٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان نقص الإيمان، رقم (٨٠)، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-.