ثانيًا: في هذه الآياتِ ذكَر المُفسِّرون أنَّ من أَسباب نُزولها: أنَّ أُمَّ سلَمةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: يا رسول اللَّهِ، إن اللَّه تعالى إذا تَكلَّم إنما يَتكَلَّم عن الرِّجال ولا يَذكُر النِّساء، فأَنزَل اللَّه تعالى هذه الآياتِ:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إلى آخِره (١).
ففي قوله عَزَّ وَجَلَّ:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} هذه (إنَّ) التَّوْكِيدية التي تَنصِب المُبتَدَأ والخبَر، وفي قوله تعالى:{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} ما قال: أَعَدَّ اللَّه تعالى لهم ولهن، بل قال تعالى:{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} فَدَلَّ ذلك على تَغليب جانِب الذُّكورية، كما أن في قَولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} تَقديمَ الذُّكور، يَدُلُّ على شرَف الذُّكور، وهذا أَمْر لا يَمتَرِي فيه عاقِل، لكن لمَّا جاء الغَرْب الخَبيثُ القَبيح المَقلوب فِطرةً ودِينًا، وصار يُقدِّم النِّساء من أجل إثارة الفِتْنة بهن، وتَشريفهن على الرِّجال؛ تَبِعه الذين يَتبَعون كلَّ ناعِقٍ، وصاروا يُقدِّمون النِّساء على الرِّجال؛ حتى كانوا لا يُطلِقون على النِّساء إلَّا كلِمة (السيِّدات) يَعني: أنَّهُنَّ سيِّدات للرِّجال، فقلَبوا الحَقائِق والأَوْضاع؛ لأنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد قلَب فِطَرهم فعبَدوا المادَّة دون خالِقها، وكذلك تَصرَّفوا في تُصرُّفاتهم هذه، ويَجِب على المُسلِمين الحذَرُ والتَّنبُّه من مُغالَطات أُولَئِك الكفَرةِ، لا في هذا ولا في غيرِه، حتى يَكونوا على بَيِّنة من أَمْرهم، ودِينهم -والحمد للَّه- قد بيَّن اللَّه تعالى فيه كلَّ شيء.
قوله تعالى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الإسلام: في أَعمال الجَوارِح الظاهِرة، لأنَّه يَشمَل أو يُراد به أن يَستَسلِم الإنسانُ للَّه تعالى ظاهِرًا بجَوارحه، بلِسانه بيَديه برِجْليه بعَيْنه بأُذُنِه؛ هذا الاستِسلامُ الظاهِر يُسمَّى
(١) أخرجه الإمام أحمد (٦/ ٣٠١)، والنسائي في الكبرى رقم (١١٣٤١)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٤١٦).