إذنْ: هذا جائِز، ولا إشكالَ فيه؛ لوقوعِه من الأنبياء عَلَيْهم السَّلَامُ؛ ولأنه عَقْد من العُقود، والأصل في العُقود الحِلُّ إلَّا ما قام الدليلُ على مَنْعه.
الثالِث: أن يَعتَمِد على مَن لا يَصِحُّ الاعتِماد عليه، على قُوَّة سِرِّيَّة، نَعلَم أنه لا أثَرَ لها في هذا الاعتِمادِ، وهذا شِرْك قد يَكون أكبَرَ، وقد يَكون أصغَرَ، مثل: اعتِماد أولئك الذين يَتَوسَّلون بالأموات، ويَعتَقِدون أن في الاعتِماد عليهم خَيرًا، هؤلاء قد يَصِلُّ بهم الأمرُ إلى الشِّرْك الأكبَر؛ وإلَّا فمُجرَّد اعتِمادهم عليهم شِرْكٌ ولا يَحِلُّ.
الرابعُ: أن يَعتَمِد على قوة ظاهِرةٍ مُؤثِّرةٍ، لكنه يَعتَمِد عليها لا باعتِبار أنها نائِبةٌ عنه، بل باعتِبار أنها مجُديةٌ له، وأنها مَصدَر سَعادته وفَلاحه ورِزْقه وما أَشبَه ذلك، فهذا مَكروهٌ وقد يَصِل إلى درجة التحريم، كاعتِماد الإنسان على الراتِب وعلى المَعاش من الوزارة التي يَعمَل فيها أو الإدارة أو الرِّئاسة أو ما أَشبَه ذلك، فإنَّ هذا فيه نوع من الشعور بالافتِقار إلى هذا الشيءِ والتَّذلُّل له.
ولذَلِك تَجِد الذين ابتُلوا بهذا النوعِ تَجِدهم يُحابُون مَن كانوا يَعتَمِدون عليه، يُحابون كُبَراءَهم من الوزراء وغير ذلك في أَمْر لا يَجوز، أمَّا مجُامَلة في ما هو جائِز فهذا أَمْر لا بأسَ به، لكن محُاباتهم في المُحرَّم هذا لا يَجوز، لكن هذا قد يَقَع؛ لأنهم يَشعُرُونَ أنَّهم يَفتَقِرون إلى هؤُلاء، فهذا أقلّ أحواله الكراهة، والإنسان يَنبَغي له أن يَكون عزيزَ النَّفْس لا يَعتَمِد إلَّا على ربِّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن كِفاية اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فوق كل كِفايةٍ؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} زَعم بعضُ أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ أن مِثْل هذا التركيبِ يُفيد التَّعجُّب، يَعنِي: ما أعظَمَ كِفايةَ اللَّه تعالى! وهذا ليس ببعيد: أن كون هذه الصِّيغةِ تُحوَّلُ مِن (وكفَى اللَّهُ وَكيلًا) إلى {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}؛ لا يَبعُد أن يَكون المُراد