لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين فتَحَ مكَّةَ وانتَصَر على أهلها؛ فإنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لم يَدخُل دُخول العالِي المُستكبِر، وإنما دخَل مُطَأْطِئًا رأسَه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاضِعًا للَّه تَبارَكَ وَتَعَالَى (١).
ومنه أيضًا الخُشُوع في الحجِّ والعُمرة؛ حيث يُؤدِّيها الإنسان بتَطامُن، وذُلٍّ، وهو يَعْتَقِدُ أنَّه يَعْبُد اللَّه تعالى، فأنت إذا دخَلْت في العُمرة أو الحَجِّ فاعتَقِدْ أنك في عِبادة، من حين أن تَقول:(لبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيكَ) إلى أن تَنتَهيَ، ولكننا -مع الأسَف الشديد- لا نَشعُر بهذا، فتَجِد الإنسان يَتلبَّس بمَحظورات الإحرام وبغَيْرها من المُحرَّمات، إلَّا مَن شاء اللَّه تعالى.
إِذَنِ: الخُشوع يَشمَل جميع الطاعات، بأن يُؤدِّيَها الإنسان بتَواضُع وذُلٍّ وتَطامُن، ليس في قَلْبه استِكْبار ولا عُلوٌّ، ولا فَرقَ في هذا بين أن يَكون الخُشوع في أثناء فِعْل العِبادة، أو بعد فِعْل العِبادة أيضًا؛ لأنَّ من الناس مَن يَخشَع في العِبادة لكن إذا انتَهى منها رأَى نَفْسه في درجة عالية، وأنه مُرتَفِع، وأنه قد نال درجة ما نالَها غيرُه، وهذا من الإعجاب بالنَّفْس وبالعمَل، فالإنسانُ يَنبَغي له إذا أدَّى العِبادة أن يَكون كما قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}، إن نظَروا إلى تَقصيرهم خافُوا، وإن نظَروا إلى فَضْل اللَّه تعالى طمِعوا.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} المُتصدِّقين يَعنِي: الباذِلين للصَّدَقة، والصَّدَقَةُ هي بَذْلُ المالِ تَقَرُّبًا إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ويَشمَل الزكاة؛ فإنها أَعلى الصدَقات، ويَشمَل البَذْل التَّطوُّعيَ كصدَقة التَّطوُّع، وكالإنفاق على الضيف وعلى الأهل، وعلى النَّفْس، كل هذا من الصدَقة فما يَجعَله الإنسان في فَمِ امرأته من الصدَقة،
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك (٣/ ٤٧)، من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-. وانظر: السيرة لابن هشام (٢/ ٤٠٥).