إنَّ الناس يَسخَرون مِنِّي، إنَّ الناس يَستَهْزِئون بي. وليكن ذلك! فإنه لا يَزداد بهذه السُّخريةِ والاستِهْزاءِ إلَّا رِفعةً عند اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أنَّه لا يَصِحُّ التزويج حتى يَنتَهِيَ حقُّ الزَّوْج الأوَّل من الزوجة بالكُلِّية؛ لقوله تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}، فكان التزويجُ بعد انتِهاء زَيدٍ -رضي اللَّه عنه- منها بالكُلِّية، ولا يَرِد على ذلك أن يُقال: إنَّ ظاهِر الآية جَواز التزويجِ بعد الطلاق مُباشَرة، لأنَّا نَقول: إن الوَطَر والحاجة ما تَنتَهي إلَّا بانتِهاء العِدَّة، إذ إنَّ الإنسان لو أَراد أن يَرجِع إلى زَوْجته في العِدَّة وهي رَجْعية لحصَل له ذلك.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: إثبات العَظَمة للَّه عَزَّ وَجَلَّ والسُّلْطان، لقوله تعالى:{وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} لمِا له من العظَمة والسُّلْطان.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: فَضيلة زينبَ بنتِ جَحْشٍ -رضي اللَّه عنها-، حيث زوَّجها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وجهُهُ: أنَّ غيرها يُزوِّجه أولياؤُها وأهلُها، وأمَّا هي فقَدْ تَولَّى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تَزويجها، وهذه مَنْقَبة عظيمة لها.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: أنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُثيب عبدَه أكثَرَ من عمَله؛ لأنَّ هذه المرأةَ -كما سبَقَ- تَزوَّجت زيدَ بنَ حارِثةَ -رضي اللَّه عنه-، مع أنَّ زيدًا -رضي اللَّه عنه- من المَوالي، وهي من صميم العرَب، وقد يَكون في ذلك غضٌّ من حَقِّها ومَرتبَتها، فرفَعَ اللَّه تعالى من شَأْنها، حيث زوَّجها رسولَه محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- هو بنَفْسه تبَارَكَ وَتَعَالَى، ولا شَكَّ أنَّ هذا رِفعة من شَأْنها، فهي بعد أن كانت تَحتَ هذا المَولَى وهي من صميم العرب، وكان في ذلك شيء من الغَضاضة عليها، رفَعَ اللَّه تعالى من شأنها بهذا الأَمرِ.