عن الطاعة، فمَن كَفَر باللَّه تعالى وأَعلَن كُفْره فهو من الكافِرين، ومَن ستَر كفْره فهو من المُنافِقين.
فالمُنافِق إذَنْ: مَن يُظهِر الإسلام ويُبطِن الكُفْر مَأخوذٌ من نَافِقَاءِ اليَرْبُوع، نافِقاءُ اليَرْبوع هي بَيتُه؛ لأن اليَربوع له حِيلة؛ يَحفُر في الأرض جُحْرًا له، ويَجعَل له بابًا، ويَجعَل في أطرف الجُحْر قِشْرة رقيقة؛ لأَجْل إذا حُجِر مع بابه، نَتَقَ مع هذه القِشرةِ الرقيقة فيُقال: نافِقاءُ اليَربوعِ، والمُنافِق هكذا عَمَلُه إذا حُجِر فَعَل ما يَتخَلَّص به، لكن نِفاقًا، كما قال اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}[البقرة: ١٤].
وقوله تعالى:{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}[الأحزاب: ١]، وهذا النَّهيُ نَهْيٌ عمَّا لم يَكُن، لِئَلَّا يَكون، وليس نَهيًا عمَّا كان لِئَلَّا يَستَمِرَّ، وبينَهما فَرْق، فهو نَهي عمَّا لم يَكُن لِئَلَّا يَكون، وليس نهيًا عمَّا كان لِئَلَّا يَستَمِرَّ.
فإذا قُلْت لشَخْص: يا فُلان لا تَسرِقْ. وهو يَسرِقُ فهو نهيٌ عمَّا كان لِئَلَّا يَستَمِرَّ، وإذا قُلتَ لمَن لم يَسرِقْ، لكنه هَمَّ بالسَّرِقة أو لم يَهُمُّ فهذا نَهيٌ عمَّا لم يَكُن لِئَلَّا يَكون، فقوله تعالى:{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} ليسَ المَعنَى أن الرسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُطيعهم -حاشاه من ذلك- لكنه لأَجْل ألَّا يَكون أَذِيَّتهم له ومُضايَقتهم له وإِحْراجهم إيَّاه؛ لِئَلَّا يَكون سببًا لأَنْ يَتَنازَل عن شيءٍ ممَّا أُمِر به من أَجْل دَفْع أَذاهم وإلَّا فإن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لا يُمكِن أن يُطيع المُنافِقين والكافِرين في مَعْصية اللَّه تعالى، ولكن النَّفْس البشَرية قد تَجتَهِد في أَمْر من الأُمور، وترى أن من المَصلَحة التَّنازُل عن بعض الأَشياء لدَفْع ما هو أَعظَمُ في نظَر المُكلَّف، ويَكون الأَمْر ليس كذلك؛ ولهذا قال تعالى:{وَدَعْ أَذَاهُمْ} قال بعض المُفسِّرين: إنها مُضافة إلى المَفعول به. يَعنِي: