فارَقْتُك لسُوء خُلُقك؛ أو لأني سمِعْت عنك ما يَسوءُ، أو ما أَشبَهَ ذلك من الكلام حتى تَنفَصِل منه وهي طَيِّبة النَّفْس مُنشَرِحة الصَّدْر، ثُمَّ بعد ذلك لا يَحصُل منها أو من أهلها كَلام؛ لأنه ربما إذا طلَّقَها ولم يُمتِّعها، أو مَتَّعَها بما دون ما تَستَحِقُّه، أو سرَّحها سَراحًا غيرَ جميل، ربما يَحصُل منها أو من أهلها كلام في الرَّجُل يَتكلَّمون فيه وفي عِرْضه وفي أَهْله، وما أَشبَهَ ذلك.
فهذا من آداب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ التي أَدَّب بها عِبادَه إذا طلَّق المرأة قبل المَسيس، فإن الواجِب عليه أمران: التَّمتيع بالمال، والسَّراح الجميل بالقَوْل والفِعْل وطلاقةِ الوَجْه وانبِساط القَلْب، وما أَشبَه ذلك.
وقد يَقول قائِل: كيف يُمكِن هذا والرجُلُ لم يُطلِّقها في هذه الحالِ إلَّا وهو كارِةٌ لها بلا شَكٍّ؛ ولو كان عِنده أَدْني محَبَّةٍ لكان دخَل بها وجامَعها، ونظَرَ ربما تَتَغيَّر الأمور، يَعنِي: لو كان زَهِد فيها بعضَ الزُّهْد لكان في قَلْبه محَبَّة لها هل يُغَامِر ويُطلِّقها من قَبلِ أن يُجامِع، العَقْل لا يَقْتَضي ذلك، يَقتَضي أن تَنتَظِر وتُجامِعها لأنه رُبَّما تَغيَّرت الأمورُ.
ومِن ثَمَّ نُهِيَ عن الطلاق في الحَيْض؛ لأن الإنسان إذا كانت امرَأَتُه حائِضًا فإنه لا يُجامِعها، لكن فيَبقَى كارِهًا لها، ولا يُوجَد هناك سبَبٌ يَدعو إلى المَحبَّة وهو الجِماع؛ فلهذا نُهِيَ عنه.
فهذه من الحِكَم في النَّهي عن الطلاق في الحَيْض، وليسَتْ هي الحِكْمةَ الوحيدةَ {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}.