لَهُن من الاحتِرام والتَّعظيم ففي غَيْرهن من بابِ أَوْلى، ولكنه يُشتَرَط في ذلك الأَمْن من الفِتْنة، فإن خِيفَتِ الفِتْنة من المُكلِّم أو من المَرأة كان ذلك حرامًا، وكذلك يُشتَرَط ألَّا يَتَمتَّع الإنسان بمُكالمة المرأة وإن لم يَكُن تَمَتُّعَ شَهوة، يَعنِي: قد يَكون الإنسان مثلًا يَتَمتَّع بمُخاطَبة المرأةِ ليس من الناحِية الجِنْسية الغَريزية، ولكنه يُحِبُّ أن يَستَمِرَّ معَها في الكَلام، فهذا أيضًا لا يَجوز، اللَّهُمَّ إذا كانت من محَارِمه، وأَراد أن يَتَحدَّث معها ليُؤنِسَها أو يَستَأنِس بها، فهذا لا بأسَ به.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: أن الحِجاب المَذكور هنا ليس هو سَترَ الوَجْه فقَطْ، بل هو شيء فَوْق ذلك؛ لقوله تعالى:{مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، ولم يَقُل: مُتحَجِّبات، وهذا يَدُلُّ على أنها الحِجاب مُنفَصِل وليس من ثِياب المرأة، بل هو شيء مُنفَصِل، مثل أن تَكون في خِدْرِها فيَتحَدَّث الناس إليها.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: ثُبوت تَعليل الأحكام الشَّرْعية؛ تُؤخَذ من قوله تعالى:{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ}، ومن قوله تعالى فيما سَبَق:{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ}.
الْفَائِدَةُ العِشْرُونَ: أنه يَجِب على المَرْء أن يَسعَى في كل ما فيه تَطهير قَلْبه، وأن يَبتَعِد عن كل ما فيه تَدنيسُ قَلْبه؛ لأنه عَلَّل الأمر بالحِجاب؛ لكونه أَطهَرَ للقُلوب، ولا فرقَ في ذلك بين طَهارة القَلْب من الأخلاق الرَّذيلة كالزِّنا واللِّواط أو طَهارته من الاعتِقادات الفاسِدة أو الإرادات السَّيِّئة؛ فكلُّ هذا يَجِب على المَرْء أن يُطهِّر قلبه مِنه، وأن يَبتَعِد عن كل ما يُدَنِّسَ قَلْبه من ذلك.
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةُ وَالعِشْرُون: أن الفِتْنة في مخُاطَبة النِّساء قد تَكون من الرجُل وحدَه ومن المرأة وحدَها، ومنهما جميعًا؛ لقوله تعالى:{لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}؛ فقَدْ يَكون الرجُل هو الذي يَتَلذَّذ بمُخاطَبة المرأة، والمرأة ليس على بالها هذا الأمرُ ولا اهتَمَّتْ