ما أمَرَهم؛ لقُوَّة امتِثالهم لأَمْر اللَّه تعالى، ويَفعَلون ما يُؤمَرون؛ لقوَّتِهم على التَّنفيذ، فيَقول تعالى:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ}، هذا باعتِبار الإرادات، ما عِندهم إرادة تُخالِف أَمْر اللَّه تعالى، {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} باعتِبار التَّنفيذ والعمَل.
وهُم -أي: المَلائِكة- أصناف في أَشكالهم، وفي أعمالهم، وفي صِفاتهم؛ وما نَعلَم من هذا إلَّا ما أَعلَمَنا اللَّه تعالى به ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، والباقي مجَهول لنا، فنُؤمِن بما علِمنا من أَسمائهم وأَشكالهم وأَوْصافهم وأَعمالهم، وما لم نَعلَمه نُؤمِن به على سبيل الإِجْمال، نَقول:(آمَنَّا باللَّهِ ومَلائِكتِهِ).
وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ} الخبر {يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} محُمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ولهذا قال:[مُحمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-].
وما مَعنَى {يُصَلُّونَ}؟
اشتُهِر عند كثير من أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّه أن الصلاة من اللَّه تعالى رحمة، ومن المَلائِكة الاستِغْفار؛ وعلى هذا فيُفَسَّر {يُصَلُّونَ} باعتِباره من اللَّه تعالى بمَعنَى: الرَّحْمة، ومن المَلائِكة الاستِغْفار، ولكِنَّ هذا التَّفسيرَ خطَأ، فإن الرحمة أعمُّ من الصلاة؛ لأن الرحمة يُدعَى بها لكل أحَد، والصلاة خاصَّة بالأنبياء، فهي شِعارُهم، ولا تُقال لأَحَد سِواهم إلَّا على سبيل لا يَكون شِعارًا، وأمَّا الرحمة فهي عامة حتى إن بَعْض أَهْل العِلْم رَحِمَهُم اللَّه يَقول: لا يَجوز أن تَدعوَ للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بالرَّحْمة، لا تَقُل:(مُحمَّد رَحِمَهُ اللَّهُ)، (قال رسولُ اللَّه رَحِمَهُ اللَّهُ)، لكِنَّ هذا القَولَ ضعيف؛ لأن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَدْعو لنَفْسه بالرحمة، يَقول:"رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي"(١)؛ وفي قِصة الأَعرابيِّ:
(١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٣١٥)، وأبو داود: كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، رقم (٨٥٠)، والترمذي: كتاب الصلاة، باب ما يقول بين السجدتين، رقم (٢٨٤)، من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-.