للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ" (١).

إِذَن: أَذِيَّة المُؤمِنين بماذا تَكون؟

الجَوابُ: تَكون بالقَوْل وبالفِعل وهي كثيرة لا حَصرَ لها، مِنها أذِيَّة الجارِّ حتى إن العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ يَقولون: لا يَجوز للإنسان أن يَدُقَّ وتَدًا في الجِدار المُشتَرَك بينه وبين جاره على نَحو يُؤذِي جارَه، ولا يَجوز أن يَسقِيَ نَخْله إذا كان الماء يَتَسرَّب إلى جاره، ولا يَجوز أن يَجعَل رَحًا تَطحَن حول جاره؛ لأن ذلك يُؤذِيَه، فالأَذِيَة كثيرة.

ومن هذا النوع أن يُهينه عندما يَأتي لطَلَب حَقِّه فإن بعض المُوظَّفين -والعِياذُ باللَّه- إذا جاءَهم الناس لإجراء مُعاملاتهم تَجِدهم يَمتَهِنونهم ويُؤذونهم، هذا أيضًا من أَذِيَّة المُؤمِنين بغير ما اكتَسَبوا، وأَنواعها لا يُمكِن حَصْرها، والشيء العامُّ هو أن يَحصُل للمُؤمِن أَذِيَّة من فِعْل أو قَوْل، فالذين يُؤذون المُؤمِنين بغير ما اكتَسَبوا فقَدِ احتَمَلوا بُهتانًا وإثمًا مُبينًا، نَسأَل اللَّه تعالى العافِية.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: تَحريم أذِيَّة المُؤمِنين بغير حَقٍّ؛ لقوله تعالى: {فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تَحريم كلِّ أذيَّة أيًّا كان نوعها سَواء كانت قَوْلية أو فِعْلية؛ لعُموم اللَّفظ في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ} واسمُ المَوْصول من صِيَغ العُموم.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن أذِيَّة المُؤمِن بما هو من كَسْبه ليس فيها وعيدٌ، وليست إِثْمًا ولا بُهتانًا لقوله تعالى: {بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا}.


(١) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة، باب تحريم الغيبة (٢٥٨٩)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>