ولا يَرِد على ذلك أن النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَعلَم من المُنافِقين أقوامًا بأَعْيانهم، لأن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَفَّ عن قَتْلهم، قال:"لِئَلَّا يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"(١)، فيَكون في ذلك تَنفيرٌ عن الإسلام، والإسلام ما زال في ابتِداء الدَّعوة إليه، ثُمَّ إن المُنافِقين في عَهْد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتَسَتَّرُون لا يُعرَفون إلَّا في لَحْن القَوْل، أو بوَحْيٍ أَوْحاه اللَّه تعالى إلى رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-.
الْفَائِدَةُ العَاشِرَةُ: استِعْمال المُبالَغة في الأَلْفاظ لَفْظًا ومَعنًى.
أمَّا مَعنًى فقَوْلُه تعالى:{أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا} في أيِّ مَكان في برٍّ أو بَحْر أو جَوٍّ، قريبًا كان أو بعيدًا، أَخْذًا من عُموم الشَّرْط في قوله تعالى:{أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا}.
وأمَّا المُبالَغة في اللَّفْظ فقَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}؛ لأن هذا أبلَغُ من قوله:(وقُتِلُوا قَتْلًا)، ففيه استِعْمال المُبالَغة في الأَلْفاظ والمَعاني أيضًا، فالمُبالَغة في المَعاني مَأخوذة من الشَّرْط، والمُبالَغة في الأَلْفاظ مَأخوذة من قوله تعالى:{وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}.
* * *
(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}، رقم (٤٩٠٥)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج، رقم (١٠٦٣)، من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-.