للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمَّا فِي مَوْضُوعِه: بأنْ يَكُون كَلامًا فاحِشًا يَشتَمل علَى السَّب، والشَّتم، والغِيبة، والنَّمِيمَة، ومَا أَشْبهَ ذَلِك. أو فِي مَحَلِّه: أَي أَنْ يَكُون هَذا القَول في نَفْسه هُو خَير، لكِن كَوْنه يُقال في هَذا المَكانِ لَيْسَ بخَيْر؛ لأنَّ لِكُلِّ مَقام مقالًا، فإذا قُلتَ كلامًا هُو في نَفسِه ليسَ بشرٍّ، لكنهُ يُسبِّبُ شرًّا إذَا قُلتَهُ في هَذا المَحَلِّ فلا تَقُلْهُ؛ لأنَّ هذا ليسَ بقَولٍ سَدِيد، ففِي هَذا المَوضُوع لا يَكونُ قَولًا سَدِيدًا، بَل خطأٌ، وإنْ كانَ ليسَ حَرامًا بذَاتِه.

فمَثلًا؛ لو فُرِض أنَّ شخصًا رأَى إنسانًا على مُنكَر، ونَهاه عَن المُنكر، لكِنْ نَهاهُ في حالٍ لا يَنْبغِي أنْ يَقولَ له فِيهَا شَيئًا، أو أَغْلَظَ لَهُ فِي القَوْل، أو مَا أشبهَه، لعُدَّ هذا قولًا غيرَ سَدِيدٍ.

فإذا اتَّقى الإنسانُ ربَّه، وقالَ قولًا سَدِيدًا؛ حصَل علَى فائدَتَيْنِ: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فبِالتَّقوَى صلاحُ الأعمالِ ومَغفرةُ الذُّنوبِ، وبالقَولِ السَّديدِ صلاحُ الأعمالِ ومَغفرة الذُّنوب. وعُلم مِن هَذِه الآيَةِ أنَّ مَن لم يتَّقِ اللَّه ويَقُلْ قَولًا سَديدًا؛ فإنَّه حَرِيٌ بأنْ لا يُصلحَ اللَّهُ لهُ أعمالَه، ولا يَغفِر لَه ذَنبَه، ففِيه الحثُّ علَى تَقوَى اللَّهِ وبَيان فَوائدِهَا.

ثم قالَ تعالى جُملةً عامَّهً: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَاز} [الأحزاب: ٧١]؛ والفَوز هُو حُصول المطلُوب، والنَّجاة مِن المَرهُوب؛ ودَليلُ ذلك: قولُه تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: ١٨٥] فبِالزَّحْزَحة عَن النَّار يَحصل زَوال المكْروه، وبإِدخالِ الجَنَّة يَحصُل المطلُوب، فالفَوز هُو أنْ تَنجُوَ مِنَ المَرهُوب، وتَفُوز بالمَطلُوب.

قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا} وليسَ فَوزًا دَنِيئًا أو يَسِيرًا؛ بل هُو فَوز عَظيمٌ، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فقد خَسِر، وفي نَفْس السُّورة: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ

<<  <   >  >>