فالنبيُّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ}، فلو أَخَذْنا بظاهِر العِبارة لكان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حين تَوجيه الخِطاب إليه لم يَكُن مُتَّقيًا، وهذا أمر لا يُمكِن؛ لذلك يَكون مَعنَى {اتَّقِ اللَّهَ} أي: دُمْ على تَقواه؛ ومن هنا نَأخُذ أن الأمر بالشيء قد يَكون أمرًا بتَجديده، وقد يَكون أمرًا بالاستِمْرار عليه، وقد يَكون أمرًا بالتَّفصيل لهذا المَأْمورِ به.
فمثَلًا: إذا قلت: يا أيُّها المُؤمِنُ آمِنْ. فالمَعنى: دُمْ على إيمانك وحَقِّقْه، وفي قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ}[النساء: ١٣٦]، الأمر هُنا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ} أي: داوِموا عليه، لكن فيه تَفصيل، يَعني:{آمَنُوا} مجُمَل، ثُم قال:{آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} فصار إِذَنْ تَوْجيه الأَمْر في الأصل إلى مَن لم يَكُن مُتَلَبِّسا به، هذا هو الأصل، وقد يُوجَّه إليه لطلب الاستِمْرار، وقد يُوجَّه إليه لبَيان التَّفصيل، كما في قوله عَزَّ وَجَلَّ:{آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
وقوله:{اتَّقِ اللَّهَ} تَأْتي التَّقوى في القرآن الكريم كثيرًا، فما مَعنَى التَّقوى؟ ومن أين هي مُشتَقَّة؟
نَقول: هي مُشتَقَّة من الوِقاية، ولهذا يَقولون: إن أصل التاء فيها واوٌ، فـ (تَقوَى) بمَعنى: (وَقْوَى)، هذا أَصلُها، وإذا كانت بمَعنى الوِقاية فإن التَّقوى هي أن يَتَّخِذ الإنسان وِقاية من عذاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ولا وِقايةَ من عذاب اللَّه تعالى إلَّا بفِعْل أَوامِره واجتِناب نَواهيه، وعلى هذا فنَقول: إن المُراد بالتَّقوى فِعْلُ أَوامِر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واجتِناب نَواهِيه.