للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من قومه ما لم يُكابِدْه غيره؛ لأنه بَقِيَ فيهم أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمسينَ عامًا، لا يَزيدهم دُعاؤُه إيَّاهم إلَّا فِرارًا -والعِياذُ باللَّه- وسُخريةً.

وقال بعضُهم: بل إنَّ عيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ أفضَلُ؛ لأنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُوذِي أيضًا حتَّى إنه هُدِّد بالقَتْل حتَّى إنه قِيل: إنه قُتِل. فإن اليَهود يَرَوْن أنهم شَفَوْا أنفسهم حين قَتَلوا مَن أَلقَى اللَّهُ تعالى شَبَهَ عِيسى عَلَيْه {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} [النساء: ١٥٧].

وعِندي في هذا: التَّوقُّفُ؛ لأن لكلِّ واحدٍ مِنهما مَزِيةً يَكون فيها أَفضَلَ من الثاني.

كما يَدُلُّ علَى أنَّ مَسؤُوليةَ أُولي العَزْم أعظَمُ من مَسؤُولية غَيْرهم وهو كذلك، ومن أَجْل أن مَسؤُوليتَهم أَعظَمُ وأنَّهم قاموا بها سُمُّوا أُولي العَزْم.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: تَغليظُ المَسؤُولية على الأنبياء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: عظَمةُ الربِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وذلك بالتَّحدُّث عن نفسه بضمير العظَمة {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} عَزَّ وَجَلَّ يَتحدَّث عن نَفْسه تارةً بضمير العظَمة وتارةً بضمير الإِفْراد، وهو كثير في القُرآن، ولا حاجةَ لذِكْر أمثِلة، لأنه واضِحٌ.

* * *

<<  <   >  >>