للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السعدي: " أخبر تعالى، أن مثلهم عند دعاء الداعي لهم إلى الإيمان كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرد الصوت، الذي تقوم به عليهم الحجة، ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم" (١).

قال ابن عثيمين: "فهؤلاء الكفار مثلهم، كمثل إنسان يدعو بهائم لا تفهم إلا الصوت دعاءً، ونداءً؛ و «الدعاء» إذا كان يدعو شيئاً معيناً باسمه؛ و «النداء» يكون للعموم؛ هناك بهائم يسميها الإنسان باسمها بحيث إذا ناداها بهذا الاسم أقبلت إليه؛ والنداء العام لجميع البهائم هذا لا يختص به واحدة دون أخرى؛ فتقبل الإبل جميعاً؛ لكن مع ذلك لا تقبل على أساس أنها تعقل، وتفهم، وتهتدي؛ ربما يناديها لأجل أن ينحرها؛ هؤلاء الكفار مثلهم - في كونهم يتبعون آباءهم بدون أن يفهموا هذه الحال التي عليها آباؤهم - كمثل هذا الناعق بالماشية التي لا تسمع إلا دعاءً، ونداءً" (٢).

وقوله: {يَنعِق}، معناه: يُصوِّت بالغنم، النَّعيق، والنُّعاق، ومنه قول الأخطل (٣):

فَانْعِقْ بِضَأْنِكَ يَا جَرِيرُ، فَإِنَّمَا ... مَنَّتْكَ نَفْسَكَ فِي الخَلاءِ ضَلالا

يعني: صوِّت به (٤).

واختلف في تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً} على طريقين (٥):

الطريق الأول في الآية: التفسير بإضمار في الآية.

وقد اختلفوا في تقدير الإضمار على النحو الآتي:

أولا: فقال: الأخفش (٦)، والزجاج (٧)، وابن قتيبة (٨): أن تقدير الآية: ومثلك يا محمد، ومثل الذين كفروا في وعظهم ودعائهم إلى الله عز وجل؛ فحذف أحد المثلين اكتفاء بالثاني، كقوله: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: ٨١]، وعلى هذا التقدير: شبه الكفار بالبهائم، وشبه داعيهم بالذي يصيح بها، وهي لا تعقل شيئا.

ثانيا: وذكر الفراء: في هذه الآية قولين (٩):

القول الأول: أن تقدير الآية: ومثل واعظ الذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم، فحذف كما قال: {واسأل القرية} [يوسف: ٨٢]، أي: أهلها" (١٠).

وهذا معنى قول ابن عباس (١١)، وعكرمة (١٢)، ومجاهد (١٣)، وقتادة (١٤)، والربيع (١٥)، وعطاء (١٦)، والسدي (١٧)، وهو اختيار الفراء (١٨).


(١) تفسير السعدي: ٨١.
(٢) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٤٤.
(٣) ديوانه: ٥٠، ونقائض جرير والأخطل: ٨١، وطبقات فحول الشعراء: ٤٢٩، ومجاز القرآن: ٦٤، واللسان (نعق)، وقد ذكر قبله حروب رهطه بني تغلب، ثم قال لجرير: إنما أنت راعي غنم، فصوت بغنمك، ودع الحروب وذكرها. فلا علم لك ولا لأسلافك بها. وكل ما تحدث به نفسك من ذلك ضلال وباطل.
(٤) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٣١٥.
(٥) انظر: تفسير الطبري: ٣٠٨ - ٣١٤، والمحرر الوجيز: ١/ ٢٣٨ - ٢٣٩، وتفسير القرطبي: ٢/ ٢٩٧ - ١٩٨، والبحر المحيط: ١/ ٤٨١، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ٢٤٢، ومعاني القرآن للفراء: ١/ ٩٩، وتأويل مشكل القرآن: ١٩٩، وغريب القرآن: ٦٥، وتفسير الثعلبي: ٢/ ٤٢.
(٦) انظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ٤٢، ولم أجده في معاني القرآن.
(٧) انظر: معاني القرآن: ١/ ٢٤٢.
(٨) انظر: تأويل مشكل القرآن: ١٩٩، وتفسير غريب القرآن: ٦٥.
(٩) انظر: معاني القرآن: ١/ ٩٩ - ١٠٠. [بتصرف بسيط].
(١٠) تفسير الطبري: ٣/ ٣٠٨، وانظر: والمحرر الوجيز: ١/ ٢٣٨ - ٢٣٩، وتفسير القرطبي: ٢/ ٢٩٧ - ١٩٨، والبحر المحيط: ١/ ٤٨١، ومعاني القرآن للزجاج: ١/ ٢٤٢، ومعاني القرآن للفراء: ١/ ٩٩، وتأويل مشكل القرآن: ١٩٩، وغريب القرآن: ٦٥، وتفسير الثعلبي: ٢/ ٤٢.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٢٤٥١)، و (٢٤٥٢)، و (٢٤٥٣): ص ٣/ ٣٠٨ - ٣٠٩.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٢٤٥٠): ص ٣/ ٣٠٨.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٢٤٥٤)، و (٢٤٥٥): ص ٣/ ٣٠٩.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٢٤٥٦)، و (٢٤٥٧): ص ٣/ ٣٠٩ - ٣١٠.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٢٤٥٨): ص ٣/ ٣١٠.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (٢٤٥٩): ص ٣/ ٣١٠.
(١٧) انظر: تفسير الطبري (٢٤٦١): ص ٣/ ٣١٠.
(١٨) انظر: معاني القرآن: ١/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>