للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا القول: أضيف (المثل) إلى {الذين كفروا}، وترك ذكر (الوعظ والواعظ)، لدلالة الكلام على ذلك، كما قال الشاعر (١):

فَلَسْتُ مُسَلِّمًا مَا دُمْتُ حَيًّا ... عَلَى زَيْدٍ بِتَسْلِيمِ الأمِير

يراد به: كما يُسلِّم على الأمير (٢).

القول الثاني: أن معنى الآية: ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم عن الله وعن رسوله، كمثل المنعوق به من البهائم، الذي لا يَفقه من الأمر والنهي غير الصوت. وذلك أنه لو قيل له: اعتلف، أورِدِ الماء، لم يدر ما يقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله، فكذلك الكافر، مَثله في قلة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه - بسوء تدبُّره إياه وقلة نظره وفكره فيه - مَثلُ هذا المنعوق به فيما أمِر به ونُهِي عنه. فيكون المعنى للمنعوق به، والكلام خارجٌ على الناعق، كما قال نابغة بني ذبيان (٣):

وَقَدْ خِفْتُ، حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي المَطَارَة عَاقِلِ

والمعنى: حتى مَا تزيدُ مخافة الوعل على مخافتي، وكما قال الآخر نابغة الجعدي (٤):

كَانَتْ فَرِيضَةُ مَا تَقُولُ، كَمَا ... كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ

والمعنى: كما كان الرجمُ فريضة الزنا، فجعل الزنا فريضة الرجم، لوضوح معنى الكلام عند سامعه، وكما قال الآخر (٥):

إنّ سِرَاجًا لَكَرِيمٌ مَفْخَرُه ... تَحْلَى بِهِ العَيْنُ إذَا مَا تَجْهَرُهْ

والمعنى: يَحلى بالعين، فجعله تحلى به العين.


(١) لم أتعرف على قائله، وهو من أبيات أربعة في البيان والتبيين ٤: ٥١، ومعاني القرآن للفراء ١: ١٠٠، وأمالي الشريف ١: ٢١٥. وبعد البيت:
أَميرٌ يأكُلُ الفَالُوذَ سِرًّا ... ويُطْعِمُ ضيفَهُ خُبْزَ الشَّعِير!
أتذكُرُ إذْ قَبَاؤك جلْدُ شاةٍ ... وَإِذْ نَعْلاكَ من جِلْدِ البَعِيرِ?
فسُبْحان الذي أعطاك مُلْكًا ... وعَلَّمك الجلوسَ على السَّرِير! !
(٢) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٣١١.
(٣) ديوانه: ٩٠، ومجاز القرآن: ٦٥، ومعاني القرآن للفراء ١: ٩٩، ومشكل القرآن: ١٥١، والإنصاف: ١٦٤، وأمالي بن الشجرى ١: ٥٢، ٣٢٤، وأمال الشريف ١: ٢٠٢، ٢١٦، ومعجم ما استعجم: ١٢٣٨. وهو من قصيدة مضى منها تخريج بيت في هذا الجزء: ٢١٣. وقوله: " ذي المطارة " (بفتح الميم)، وهو اسم جبل. وعاقل: قد عقل في رأس الجبل، لجأ إليه واعتصم به وامتنع. والوعل: تيس الجبل: يتحصن بوزره من الصياد. وقد ذكر البكري أنه رأى لابن الأعرابي أنه يعني بذي المطارة (بضم الميم) ناقته، وأنها مطارة الفؤاد من النشاط والمرح. ويعني بذلك: ما عليها من الرحل والأداة. يقول: كأني على رحل هذه الناقة وعلى عاقل من الخوف والفرق.
(٤) تفسير الطبري: ٣/ ٣١٢، ومعاني القرآن للفراء ١: ٩٩، ١٣١، ومشكل القرآن: ١٥٣، والإنصاف: ١٦٥، وأمالي الشريف ١: ٢١٦، والصاحبي: ١٧٢، وسمط اللآلي: ٣٦٨، واللسان (زنا). وقال الطبري في ٢: ٣٢٧، " يعني: كما كان الرجم الواجب من حد الزنا ".
(٥) تفسير الطبري: ٣/ ٣١٢، ومعاني القرآن للفراء ١: ٩٩، ١٣١، وأمالي الشريف ١: ٢١٦، واللسان (حلا). يقال: " ما في الحي أحد تجهره عيني "، أي تأخذه عيني فيعجبني. وفي حديث صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول علي: " لم يكن قصيرًا ولا طويلا، وهو إلى الطول أقرب. من رآه جهره "، أي عظم في عينه.

<<  <  ج: ص:  >  >>