للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك فهم صم عن سماع الحق؛ ولكن سماع غيره لا فائدة منه؛ فهو كالعدم؛ وهم بُكم لا ينطقون بالحق؛ ونطقهم بغير الحق كالعدم؛ لعدم نفعه؛ وهم كذلك عُمي لا يبصرون الحق؛ وإبصارهم غير الحق لا ينتفعون به (١).

قال الرازي: "فالله تعالى لما شبههم بالبهائم زاد في تبكيتهم، لأنهم صاروا بمنزلة الصم في أن الذي سمعوه كأنهم لم يسمعوه وبمنزلة البكم في أن لا يستجيبوا لما دعوا إليه وبمنزلة العمى من حيث أنهم أعرضوا عن الدلائل فصاروا كأنهم لم يشاهدوها" (٢).

قوله تعالى: {فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ! ٧١]، أي: فهم"لا يعقلون شيئًا ولا يفهمونه (٣).

قال النسفي: أي: لايفهمون"الموعظة" (٤).

قال الشيخ ابن عثيمين: " أي لكونهم صماً بكماً عمياً، فهم لا يعقلون عقل رشد - وإن كان عندهم عقل إدراك -؛ فلعدم انتفاعهم بعقولهم نفى الله عنهم الع قل؛ ورتب الله انتفاء العقل عنهم على كونهم صماً بكماً عمياً؛ لأن هذه الحواس وسيلة العقل والإدراك" (٥).

قال الآلوسي: " أي لا يدركون شيئا لفقدان الحواس الثلاثة وقد قيل: من فقد حسا فقد فقد علما" (٦).

قال أبو السعود: " لأن طريق التعقل هو التدبر في مبادي الأمور المعقولة والتأمل في ترتيبها وذلك إنما يحصل باستماع آيات الله ومشاهدة حججه الواضحة والمفاوضة مع من يؤخذ منه العلوم فإذا كانوا صما بكما عميا فقد انسد عليهم أبواب التعقل وطرق الفهم بالكلية" (٧).

قال ابن عطية: " ولما تقرر فقدهم لهذه الحواس قضى بأنهم لا يَعْقِلُونَ إذ العقل كما قال أبو المعالي وغيره: علوم ضرورية تعطيها هذه الحواس، أو لا بد في كسبها من الحواس، وتأمل" (٨).

قال الرازي: "والمراد العقل الاكتسابي، لأن العقل المطبوع كان حاصلا لهم، والعقل عقلان: مطبوع ومسموع، ولما كان طريق اكتساب العقل المكتسب هو الإستعانة بهذه القوى الثلاثة فلما أعرضوا عنها فقدوا العقل المكتسب ولهذا قيل: من فقد حسا فقد علما" (٩).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: أن هؤلاء في اتباع آبائهم مثل البهائم التي تستجيب للناعق وهي لا تسمع إلا صوتاً دعاءً، ونداءً؛ لا تسمع شيئاً تعقله، وتعرف فائدته، ومضرة مخالفته.

٢ - ومنها: أن هؤلاء قد طبع الله على قلوبهم فلا يسمعون ما يدعون إليه من حق، ولا يقولون به؛ فهُمْ: {صم بكم عمي فهم لا يعقلون}.

٣ - ومنها: أن لهؤلاء أمثالاً يدعون بدعوى الجاهلية، كأولئك الذين يدعون إلى القومية: فإن مثلهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً، ونداءً؛ وهذه الدعوى لا يفكر الدعاة لها فيما يترتب عليها من تفريق المسلمين، وتمزيق وحدتهم، وكونهم يجعلون الرابطة هي اللغة، أو القومية، فيدخل فيها غير المسلم ممن تشملهم القومية، ويخرج بها مسلمون كثيرون ممن لا تشملهم القومية؛ لكن الرابطة الدينية التي قال الله سبحانه وتعالى فيها: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: ١٠]؛ هذه تدخل جميع المؤمنين - ولو من غير العرب -؛ وتخرج من ليس


(١) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٢/ ١٠٧.
(٢) مفاتيح الغيب: ٥/ ١٩٠.
(٣) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٨٠.
(٤) تفسير النسفي: ١/ ١٤٢.
(٥) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٤٥.
(٦) روح المعاني: ١/ ٤٣٩.
(٧) تفسير أبي السعود: ١/ ١٩٠.
(٨) المحرر الوجيز: ١/ ٢٣٨ - ٢٣٩.
(٩) مفاتيح الغيب: ٥/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>