للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلم أصول الدين، وعلم أصول الفقه، وعلم القصص، وعلم الموهبة (١)، والأحاديث المبينة للتفسير، مثل أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ" (٢).

نستنتج مما سبق بأن تفسير الدراية: هو تفسير القرآن وفقاً لقواعد صحيحة من اللغة، بحيث لا يخالف نصاً من الرواية الصحيحة، ولا أصلاً من الأصول الشرعية، وعليه فإن تفسير الدراية يشمل عدة اتجاهات، سأذكر بعضها في المطلب التالي مع التركيز على التفسير البلاغي، وأهميته؛ لأن موضوعنا في هذه الدراسة متعلق به، كونها ستتناول الجملة القرآنية من ناحية التأسيس والتأكيد، وأثر ذلك على معنى الآية القرآنية.

وقد اختلف العلماء في جواز التفسير بالدراية إلى قولين:

الأول: عدم جواز تعاطي تفسير شيء من القرآن، وإن كان عالماً أديباً متسعاً في معرفة الأدلة، والفقه، والنحو، والأخبار، والآثار، وليس له أن ينتهي إلا إلى ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو إلى صحابته الآخذين عنه، ومن أخذ عنهم من التابعين.

الثاني: جواز تفسير القرآن بالدراية، ولكن بشروط كما سيأتي.

فمن ذهب إلى عدم جواز التفسير بالرأي استدل بالآتي:

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ" (٣).

وفي رواية أخرى: "ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" (٤).

ما روي عن بعض الصحابة، وبعض التابعين من التحرج في تفسير القرآن، فمن ذلك ما ورد عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- أنه سُئِلَ عن تفسير حرف من القرآن فقال: "أي سماء تظلني؟ وأي أرض تقلني؟ وأين أذهب؟ وكيف أصنع إذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد الله؟ ! وفي رواية: "إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم" (٥).

ما ورد عن عدد من التابعين التمنع من التفسير بالرأي (٦).


(١) الموهبة: غديرُ ماءٍ صغيرٌ وقيل نُقْرة في الجبل يستَنقِع فيها الماءُ، وتطلق على العطيَّةُ والهبة، انظر: ... لسان العرب ١/ ٨٠٣. والمراد بالموهبة هنا من أعطاه الله ملكة يتذوق بها الألفاظ والمعاني فيفسرها.
(٢) علوم القرآن الكريم لنور الدين عترة ص ٧٥.
(٣) سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي السلمي ٥/ ٢٠٠، باب: الذي يفسر القرآن برأيه، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار إحياء التراث العربي- بيروت، وسنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني ٣/ ٢٥٨، باب: الكلام في كتاب الله بغير علم، دار الكتاب العربي- بيروت، (بدون).
(٤) رواه الترمذي ٥/ ١٩٩، وقال: حديث حسن، قال الألباني: وفيه نظر، ففي سنده عبد الأعلى أبو عامر الثعلبي فقد أورده الذهبي في "الضعفاء"، وقال: "ضعفه أحمد وأبو زرعة"، وقال الحافظ في التقريب: "صدوق، يهم"، وفي سند الترمذي سفيان بن وكيع، لكنه قد توبع من جماعة، ولذلك قال المناوي: "رمز المصنف لحسنه، اغتراراً بالترمذي، قال ابن القطان: ينبغي أن يضعف، إذ فيه سفيان بن وكيع، وقال أبو زرعة: متهم بالكذب، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني ٤/ ٢٦٥، دار المعارف- الرياض، ط/الأولى ١٤١٢ هـ- ١٩٩٢ م، وأخرجه أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني في المسند ١/ ٢٦٩ و ٢٩٣، وأخرجه أبو يعلى في مسنده، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي ٢/ ١٢٦، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث - دمشق، ط/ الأولى ١٤٠٤ هـ - ١٩٨٤ م.
(٥) المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، باب: من كره أن يفسر القرآن ٦/ ١٢٦، تحقيق كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد- الرياض، ط/ الأولى ١٤٠٩ هـ.
(٦) منهم:
أ- سعيد بن المسيب وقد كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: "أنا لا أقول في القرآن شيئا"، وكان سعيد إذا سئل عن الحلال والحرام تكلم، وإذا سئل عن تفسير آية من القرآن سكت، وكأن لم يسمع شيئا. انظر: فضائل القرآن للقاسم بن سلام، أبو عُبيد القاسم بن سلاّم البغدادي ٢/ ٢٥٧، تحقيق: مروان العطية - محسن خرابة - وفاء تقي الدين، دار ابن كثير- دمشق، ط/ ١٤٢٠ هـ.
ب- الإمام الشعبي قال: (ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت): القرآن والروح والرؤى، انظر: جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير، أبو جعفر الطبري ١/ ٨٧، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط/ الأولى ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م.
ج- محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة: يعني السلماني عن آية من القرآن فقال: "ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد"، انظر: مصنف ابن أبي شيبة ٧/ ١٧٩.
د- ما روي عن مسروق: أنه قال: "اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله"، انظر: مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ٢/ ٣٢٠، تحقيق: أنور الباز- عامر الجزار، دار الوفاء، ط/ الثالثة ١٤٢٦ هـ / ٢٠٠٥ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>