للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه فإن التفسير المذموم المردود هو التفسير بالرأي المحرم الذي ذكره الإمام السيوطي، وهذا النوع من التفسير كثيراً ما يشتمل على المرويات الواهية، والباطلة، و"أما التفسير المقبول فهو التفسير المبني على المعرفة بالعلوم اللغوية، والقواعد الشرعية، والأصولية، وعلم السنن، والأحاديث، ولا يعارض نقلا صحيحاً، ولا عقلا سليماً، ولا علماً يقيناً ثابتاً مستقراً، مع بذل غاية الوسع في البحث، والاجتهاد والمبالغة في تحري الحق والصواب، وتجريد النفس من الهوى" (١)، وهو الحق وعليه أكثر السلف (٢)؛ لأن ما كان مخالفاً لنص من الكتاب أو السنة فهو فاسد الاعتبار، كما أن ما كان متكلفاً غير مبنى على الاجتهاد المستكمل للشروط يُعد عبثاً.

واختلف العلماء في تسمية التفسير بالرأي، هل يسمى تفسيراً أم يسمى تأويلاً (٣)؟

والذي رجحه الزركشي أن هناك فرقاً بين التأويل والتفسير وأنهما ليسا بمعنى واحد، فقال: "ثم قيل التفسير والتأويل واحد بحسب عرف الاستعمال والصحيح تغايرهما" (٤).

وقال في موضع آخر: "وكأن السبب في اصطلاح بعضهم على التفرقة بين التفسير والتأويل التمييز بين المنقول والمستنبط ليحمل على الاعتماد في المنقول وعلى النظر في المستنبط تجويزاً له وازدياداً" (٥).

وقال محمد حسين الذهبي: " والذي تميل إليه النفس أن التفسير ما كان راجعاً إلى الرواية، والتأويل ما كان راجعاً إلى الدراية؛ وذلك لأن التفسير معناه الكشف والبيان عن مراد الله تعالى لا يجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي، وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع وخالطوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم.


(١) الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، د/ محمد بن محمد أبو شهبة ص ٩٨، مكتبة السنة، ط/ الرابعة ١٤٠٨ هـ، بتصرف يسير.
(٢) منهم كثير من الصحابة رضي الله عنهم كالإمام علي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس، وأبي هريرة، وغيرهم، فلولا أن تفسير القرآن جائز لمن تأهل له لما فعلوه، لأنهم كانوا أشد الناس ورعا، وتقوى، ووقوفا عند حدود الله، كما ورد تفسير القرآن عن كثير من خيار التابعين، كسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة، وقتادة والحسن البصري، ومسروق، والشعبي، وغيرهم، مما يدل على أن من امتنع منهم من تفسير القرآن إنما كان زيادة احتياط، ومبالغة في التورع، انظر: أبجد العلوم الوشي المرقوم لصديق بن حسن القنوجي ٢/ ١٤١، تحقيق: عبد الجبار زكار، دار الكتب العلمية - بيروت، ١٩٧٨ م.
(٣) قال صديق حسن خان: واختلف في التفسير والتأويل فقال أبو عبيد وطائفة: هما بمعنى وقد أنكر ذلك قوم، وقال الراغب: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، وقيل: التفسير: بيان لفظ لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، والتأويل: توجيهُ لفظ متوجهٍ إلى معانٍ مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلة، وقال الماتريدي: التفسير: القطعُ على أن المرادَ من اللفظ هذا، والشهادةُ على الله سبحانه وتعالى أنه عنَى باللَّفظِ هذا، والتأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون القطع، وقال أبو طالب الثعلبي: التأويلُ: إخبارٌ عن حقيقةِ المرادِ، والتفسيرُ إخبارٌ عن دليلِ المرادِ، وقال البغوي: التفسير بالرأي: هو صرف الآيةِ إلى معنى موافقٍ لما قبلها وبعدها، تحتملُه الآية، غيرِ مخالف للكتابِ والسنةِ، من طريقِ الاستنباطِ. انظر: أبجد العلوم ٢/ ١٤١، ١٤٢.
(٤) البرهان في علوم القرآن للزركشي ٢/ ١٤٩.
(٥) المصدر نفسه ٢/ ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>