للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو ما تتناهي إليه الفهوم من معنى الكلام، والمطلع ما يصعد إليه منه فيطلع على شهود الملك العلام" (١).

ويمكن القول باستقراء التفسيرات الصوفية السابقة أن السمة الغالبة في التفسير الإشاري لدى الصوفية تتمثل فيما يأتي:

١ - أن للقرآن ظاهرا وباطنا، وأن الظاهر للعوام والباطن لا يدركه إلا الخواص وإدراك الخواص مستمد من فيض إلهي ينير بصائرهم، ويكشف لهم على زعمهم عن معارف لدنية مباشرة.

٢ - أن العلم بالقرآن على هذا النحو يفترق عن العلوم القرآنية الأخرى في بدايته وفى طرائقه وفي غاياته، فضلا عن أنه يفترق عن سائر العلوم بضرورة العمل، فالعالم لابد أن يكون عاملا وعمله هو جهاده ورياضاته التي تؤدى إلى صقل إرادته وشحذ همته وتنقية مرآته الباطنية من كل شائبة، فالتفسير عموما ليس تفسيرا مباشرا، بل يسلك تزكية النفوس وتطهير القلوب والحث على التحلى بالأخلاق الفاضلة.

٣ - أن التفسير الإشاري وإن كان يعتمد على ما وراء العبارة الظاهرية إلا أنه لم تخل من بعض ما نقل من الآثار على النحو المذكور في التفسير بالمأثور أو التفسير بالرأي بالطريقة الاستنباطية، أو تفسيرات تعتمد على معاني الألفاظ والتفسيرات البلاغية.

٤ - تتعرض هذه التفسيرات لكثير من المعاني والمصطلحات الصوفية التي تكشف عن طريقتهم وتجربتهم، لا سيما أنهم يوجهون الآيات كشواهد لهذه الرموز والمصطلحات.

٥ - ومع ما فيها من معاني تقبل بصعوبة، أو يلتمس لها وجها تحمل عليه بمشقة.

٦ - لم تسلم هذه التفسيرات من الإسرائيليات، والاستشهاد بغير القرآن والسنة، ولم تتبع الدقة في تحري ثبوت الحديث، أو مراعاة التعليق على الأسانيد، وكذلك لم تخل من فكر باطني (٢).

وقد استدل الصوفية بكثير من الآيات القرآنية العامة، التي تدعو إلى التدبر وفهم كتاب الله بالتأمل وحسن الاستماع، كقوله تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: ١ - ٣]، وكقوله: {فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: ٧٨]، والمعنى لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب، ولم يرد أنهم لا يفهمون نفس الكلام وكقوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: ٢٤]، حيث دل على أن ظاهر المعنى شيء وهم عارفون به لأنهم عرب، والمراد هو شيء آخر وهو الذي لا شك فيه أنه من عند الله، والتدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد، وذلك ظاهر في أنهم أعرضوا عن مقاصد القرآن، فلم يحصل منهم تدبر، وكقوله تعالى: [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: ٣٧]، وقال أبو سعيد الخراز: "أول الفهم لكتاب الله عز وجل العمل به، لأن فيه العلم والفهم والاستنباط، وأول الفهم إلقاء السمع والمشاهدة لقوله عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: ٣٧] " (٣).


(١) تفسير ابن عربي: ٤/ ١، وانظر تحقيق نسبته في: تفسير المنار: ١/ ١٨، ومحي الدين بن عربي مفسرا، حامد محمود الزفري، رسالة دكتوراه بمكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر، القاهرة، سنة ١٩٧٢: ص ١٧٤.
(٢) انظر: الموافقات: ٣/ ٤٠٣.
(٣) اللمع في التصوغ، سراج الطوسي: ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>