التاريخي والسياق الأدبي في الآيات التي وضعت في السطور على حسب الحكمة ترتيبا وحفظت في الصدور على حسب الوقائع تنزيلا، وحين تحدثنا عن ألوان من التناسق الفني يعوض بها القرآن أسباب النزول إذا لم تعرف، أو يؤكد مدلولاتها "بالنماذج" الحية إذا عرفت ولم تحفظ، أو حفظت ولم تشتهر.
٧ - إن في اعتبار الشكل المصحفي، وطريق الرواية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعدد لهجات القبائل، مضافاً إلى المناخ الإقليمي القائم بين مدرستي الكوفة والبصرة، أسسا قابلة للاجتهاد والأثر في تعدد القراءات القرآنية، وانتهينا إلى أن الاختلاف كان في الأقل، والاتفاق في الأكثر، وحددنا وجهة النظر العلمية تجاه القراء السبعة والقراءات السبع، وأعطينا الفروق المميزة بين القراءة والاختيار، وأوردنا مقاييس القراءة المعتبرة
٨ - وقد تقصينا الخطوات التي مر بها التفسير حتى اتخذ الصورة التي نجده عليها في بطون المؤلفات، وأن نفرق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، وأن نتبين كيف يفسر القرآن بالقرآن لما في دلالته من الإحاطة والشمول، في منطوقه ومفهومه، وعامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ومفصله، ونصه وظاهره.
٩ - إن القرآن كله محكم بمعنى أنه متقن غاية الإتقان، وهو أيضًا متشابه، بمعنى أنه يصدق بعضه بعضًا؛ أما من جهة الاصطلاح، فالمحكم ما عُرف المقصود منه، والمتشابه ما غَمُض المقصود منه. وظهر لنا أيضًا الموقف السليم من النصوص الواردة في باب الصفات، وأن القول الصواب فيها ما ذهب إليه السلف من إجراء تلك النصوص على ظاهرها، دون أن يقتضي ظاهر تلك النصوص تمثيل الخالق بالمخلوق.
١٠ - وتبين لنا بعد التجوال في ميدان علوم القرآن الكريم أن (الناسخ والمنسوخ) علم من آكد العلوم وأوجبها تعلما وحفظا وبحثا وفهما وخاصة لمن أراد أن يخوض غمار تفسير كتاب الله تعالى وأن يغوص في لجته لاستخراج الدرر الثمينة والجواهر النفيسة. بل إنه علم لا يسع كل من تعلق بأدنى علم من علوم الديانة جهله كما قال ذلك? مكي بن أبي طالب القيسي? ? رحمه الله تعالى، وإن مما يدل على عظم شأن هذا العلم وجليل خطره أن? الإمام أحمد? وإسحاق بن راهويه? عداه شرطا لكون الإنسان عالما. وأن? أبا يوسف? صاحب? أبي حنيفة? اعتبره شرطا للإفتاء بل قال: إنه لا يحل? لأحد أن يفتي حتى يعرفه.
١١ - إن الترجمة عامل آخر يسير موازيًا لتعلم لغة القرآن الكريم في نشر دعوته، وتبليغ هدايته للعالمين، وليس بالضرورة أن يتحول المسلمون جميعًا إلى عرب، فأكثر المسلمين في أرض الله اليوم من العجم، وها نحن نراهم أشد نصرة لدين الله، وأكثر حرصًا على طلب العلم، وأكثر الأئمة الأعلام كانوا من غير العرب، وقد سجل القرآن الكريم، أن من آيات الله العظمية، وآيات القدرة: اختلاف الألسنة واللهجات.
فلا مانع أن يُترجم القرآن الكريم لغير العرب، وأن يدخل غير العرب في دين الإسلام، ويتعلمون اللغة العربية.
١٢ - وننتهي إلى إعجاز القرآن, فإذا نحن نرد سحره إلى نسقه الذي يجمع بين مزايا النثر والشعر جميعا، بموسيقاه الداخلية, وفواصله المتقاربة في الوزن التي تغني عن التفاعيل، وتقفيته التي تغني عن القوافي، ورأينا كيف تم للقرآن من الإعجاز بالألفاظ الجامدة ما لا يتم للفنان من الإبداع بالريشة والألوان, وحاولنا في تصور التشبيه والاستعارة والكناية وأنواع المجاز أن نبث الحياة في اصطلاحات القدامى، فكان القرآن -في هذا كله- نسيجا واحدا في بلاغته وسحر بيانه،