للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشوكاني: " قوله {المطلقات} يدخل تحت عمومه المطلقة قبل الدخول ثم خصص بقوله تعالى {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] فوجب بناء العام على الخاص وخرجت من هذا العموم المطلقة قبل الدخول وكذلك خرجت الحامل بقوله تعالى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وكذلك خرجت الآيسة بقوله تعالى {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤] " (١).

قال الحافظ ابن حجر: "والمراد بالمطلقات هنا: ذوات الحيض (٢)، كما دلت عليه آية سورة الطلاق المذكورة قبل (٣)، والمراد بالتربص: الانتظار (٤) " (٥).

قال ابن عثيمين: "لأن المرأة بطبيعتها تطلب النكاح؛ فقيل لها: تربصي بنفسك؛ انتظري، مثلما أقول: ارفق بنفسك - أي هوِّن على نفسك -؛ وما أشبهها؛ وأما قول من قال: إن {أنفسهن} توكيد للفاعل في {يتربصن} زيدت فيه الباء، وجعل معنى الآية: يتربصن أنفسُهن؛ فهذا ليس بصحيح؛ لأن الأصل عدم الزيادة؛ ولأن مثل هذا التعبير شاذ في اللغة العربية؛ فلا يحمل كلام الله على الشاذ؛ وعلى هذا فالمعنى الصحيح: أن ينتظرن بأنفسهن فلا يعجلن" (٦).

قال الطبري: " {المطلقات}: اللواتي طُلِّقن بعد ابتناء أزواجهن بهنّ، وإفضائهم إليهن، إذا كن ذوات حيض وطهر" (٧).

قال القرطبي: " {والمطلقات} لفظ عموم، والمراد به الخصوص في المدخول بهن، وخرجت المطلقة قبل البناء بآية "الأحزاب": {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] على ما يأتي. وكذلك الحامل بقوله: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] " (٨).

و" (التربص) الانتظار ... وهذا خبر والمراد الأمر، كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] " (٩)، و"إن قيل: كيف استعير لفمظ الخبر للأمر في قوله: {يَتَرَبَّصْنَ}؟ قيل: لما كانت العدة تحصل من الرأي بانقضاء الأيام، نوتها أو لم تنوها، أجدت أو لم تجد صار لفظ الخبر أملك له من لفظ الأمر، ويدلك على صحة هذا الاعتبار إتيان جميع العدد بلفظ" (١٠).

وفي إعراب قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: ٢٢٨]، ثلاثة أقوال:


(١) فتح القدير: ١/ ٢٣٥.
(٢) أي: الحرائر البالغات المدخول بهن، غير الحوامل، وغير من لا يحضن لصغر أو كبر. انظر: جامع البيان للطبري: ٤/ ٤٩٩، تفسير مقاتل-مخطوط-: ٣٠ ب، البسيط للواحدي –مخطوط-: ١/ ١٣٨ ب، المحرر الوجيز لابن عطية: ٢/ ١٩٣ - ١٩٤، أحكام القرآن لابن العربي: ١/ ١٨٥ - ١٨٦، زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٢٦٠، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ٣/ ١١٢، مفاتيح الغيب للرازي: ٢/ ٩٢، البحر المحيط لأبي حيان: ٢/ ١٨٤، تفسير القرآن العظيم لابن كثير: ١/ ٣٣٤، فتح القدير للشوكاني: ١/ ٣٤٨، التحرير والتنوير لابن عاشور: ٢/ ٣٨٩، فتح البيان لصديق خان: ٣/ ١٣، أضواء البيان للشنقيطي: ١٤٩/ ١.
(٣) أي: قوله-عز وجل-: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٤]، وقد ذُكِرَت في الصحيح-فتح-: ٩/ ٣٧٩.
(٤) أي: والتلبث والتوقف والتثبت والتأني والترقب والمكث، كل ذلك قاله أهل اللغة والتفسير في معنى التربص. انظر: جامع البيان للطبري: ٤/ ٤٥٦، الكشف والبيان للثعلبي-مخطوط-: ٢/ ١٠٤ ب، البسيط للواحدي-مخطوط-: ١/ ١٣٨ أ، مفاتيح الغيب للرازي: ٦/ ٨٦، زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٢٥٧، معالم التنزيل للبغوي: ١/ ٢٦٥، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ٣/ ١٠٨ و ١١٢، البحر المحيط لأبي حيان: ٢/ ١٧٥، الدر المصون للسمين: ١/ ٥٥١، تهذيب اللغة للأزهري: ١٢/ ١٨١، الصحاح للجوهري: ٣/ ١٠٤١، لسان العرب لابن منظور: ٣/ ١٥٥٨، تاج العروس للزبيدي: ٩/ ٢٨٧.
(٥) الفتح: ٩/ ٣٨٦.
(٦) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٩٨.
(٧) تفسير الطبري: ٤/ ٤٩٩.
(٨) تفسير القرطبي: ٣/ ١١٢.
(٩) تفسير القطربي: ٣/ ١١٢ - ١١٣.
(١٠) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٤٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>