للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنه خبر يراد به الأمر. وهذا قول الأكثرين (١). كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣]، وجاز لأن المعنى مفهوم، وفائدة ذلك:

أولا: رفع إيهام أن العدة لا تحصل إلا بالقصد والاختيار، وتعريف العباد أنه إذا انقضت العدة حصل المقصود، أفاده الرازي (٢).

ثانيا: أن "إخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله، فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص فهو يخبر عنه موجوداً"، أي: ثقة بالاستجابة. قاله الزمخشري (٣).

والثاني: أنه أمر لفظاً ومعنى، على إضمار اللام في {يَتَربَّصْن}. وهذا قول الكوفيين.

والثالث: أنه على بابه (أي: الخبر)، وفي الآية حذف، والتقدير: وحكم المطلقات أن يتربصن.

قال ابن العربي: "قال جماعة: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ} خبر معناه الأمر، وهذا باطل، بل هو خبر عن حكم الشرع، فإن وجدت مطلقة لا تتربص فليس من الشرع" (٤).

وهذا الذي ذكره ابن العربي-وإن كان مستقيماً من حيث المعنى-استبعده جداً أبو حيان (٥)، والسمين (٦)، للحاجة فيه إلى تقدير الحذف في موضعين والأصل عدمه، ولا خلاف في المعنى على الأقوال الثلاثة، والله أعلم.

وقد اختلف العلماء في عدة الأمة على قولين (٧):

أحدهما: أن عدة الأمة التي تحيض من طلاق زوجها حيضتان. وهذا قول الجمهور.

واحتجوا بقوله عليه السلام: "طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ" (٨)، فأضاف إليها الطلاق والعدة جميعا، إلا أن مظاهر بن أسلم انفرد بهذا الحديث وهو ضعيف.

وروي عن ابن عمر: "أيهما رق نقص طلاقه" (٩)، وقالت به فرقة من العلماء (١٠).

قال الشيخ السعدي: "، وسياق الآية يدل على أن المراد بها الحرة" (١١).

والثاني: أن عدة الأمة كعدة الحرة، إلا أن تكون مضت في ذلك سنة: فإن السنة أحق أن تتبع. قاله ابن سيرين (١٢).

والثالث: إن الآيات في عدة الطلاق والوفاة بالأشهر والأقراء عامة في حق الأمة والحرة، فعدة الحرة والأمة سواء، وهذا قول الأصم عبدالرحمن بن كيسان، وداود بن علي، وجماعة أهل الظاهر (١٣).


(١) منهم: الثعلبي في الكشف والبيان-مخطوط-: ٢/ ١٠٧ أ، الواحدي في البسيط-مخطوط-: ١/ ١٣٨ ب، والزمخشري في الكشاف: ١/ ٣٦٥، والرازي في مفاتيح الغيب: ٦/ ٩٢، وابن الجوزي في زاد المسير: ١/ ٢٦٠، وأبو البركات ابن الأنباري في البيان في غريب إعراب القرآن: ١/ ١٥٦، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ٣/ ١١٢ وقال: (هذا قول أهل اللسان من غير خلاف بينهم فيما ذكر ابن الشجري)، وابن كثير في تفسيره: ١/ ٣٣٤، والبيضاوي في أنوار التنزيل: ١/ ١١٩، والألوسي في روح المعاني ٢/ ١٣١، والقاسمي في محاسن التأويل: ٣/ ٢٤٢، وابن عاشور في التحرير والتنوير: ٢/ ٣٨٨.
(٢) انظر: مفاتيح الغيب: ٦/ ٩٢.
(٣) انظر: الكشاف: ١/ ٣٦٥.
(٤) أحكام القرآن: ١/ ١٨٦.
(٥) انظر: البحر المحيط: ٢/ ١٨٥.
(٦) انظر: الدر المصون: ١/ ٥٥٣.
(٧) تفسير القرطبي: ٣/ ١١٧ - ١١٨.
(٨) سنن الترمذي (١١٨٢): ٣/ ٤٨٨. حديث ضعيف، انفرد به مظاهر بن أسلم.
(٩) أخرجه عبدالرزاق (١٢٩٥٧) - (١٢٩٥٩)، والدارقطني: ٤/ ٣٨.
(١٠) انظر: الإستذكار: ١٨/ ٩٨ - ٩٩، وتفسير القرطبي: ٣/ ١١٨.
(١١) تفسير السعدي: ١/ ١٠١.
(١٢) انظر: مسند عبدالرزاق (١٢٨٨٠)، والإشراف لابن المنذر: ٤/ ٢٩١، والاستذكار: ١٨/ ١٩٢.
(١٣) انظر: الإستذكار: ١٨/ ٩٩، وتفسير القرطبي: ٣/ ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>