للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطلاق لغةً: مصدر طَلَقَت المرأة وطَلُقَت (١) تطلُق طلاقًا فهي طالق، ويدل على الترك والتخلية، يقال طلَّق البلاد أي تركها، وأطلق الأسير أي خلاًّه، ويستعمل في معان أخر فيطلق على الصفو الطيب الحلال فيقال هو لك طلق أي حلال، ويطلق على البعد يقال طلق فلان إذا تباعد، ويطلق على الخروج يقال أنت طِلْقٌ من هذا الأمر أي خارج من (٢).

وهذه المعاني المذكورة إذا أمعنا النظر فيها وجدنا بينها وبين مقصود الطلاق ترابطًا واضحًا فالمطلق تارك لزوجته وهو أيضًا قد أحلها لغيره، وقد باعدها بفراقه لها وقد خرج أيضًا عن العقد الذي كان يربطهما، فالطلاق قد اجتمعت فيه هذه المعاني جميعًا (٣).

وقد تنوعت عبارات الفقهاء، وتعددت تعريفاتهم للطلاق في العرف الشرعي، هو: "حلُّ قيد النكاح [أو بعضه] (٤) في الحال أو المآل بلفظ مخصوص" (٥).

وقد دلَّ على مشروعية الطلاق الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.

- أما الكتاب: فقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩]، وقوله تعالى: {{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: ١].

- وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" (٦)، وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه طلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها (٧).

- والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدًا (٨).

- وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء على جوازه وهو واقع منذ الصدر الأول في الإسلام إلى هذا الزمان لا ينكره أحد (٩).

والمعقول يؤيد جوازه الحكمة من مشروعيته، إذ شرع الله الزواج ليكون دائمًا مؤبدًا إذ به تتحقق المنافع والمصالح المرادة منه، ولا بد لتحقيق أهداف النكاح العظيمة من وجود المودة والتفاهم بين الزوجين فإذا حصل ما يقطع هذه المودة ويفسد هذا التفاهم مما هو واقع وكثير، لأسباب مشاهدة، كأن تفسد أخلاق أحد الزوجين فيندفع في تيار الفسق والفجور ويعجز المصلحون عن ردة إلى سواء الصراط، أو يحدث بين


(١) بفتح اللام وضمها كما قال ثعلب من أهل اللغة (اللسان ٤/ ٢٦٩٦) وهو ما ذكره صاحب المطلع (٣٣٣).
(٢) اللسان (٤/ ٢٦٩٦)؛ مجمل اللغة (٣/ ٣٣٠)؛ ومعجم مقاييس اللغة (٣/ ٤٢٠) وما بعدها، مادة (طلق).
(٣) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٩/ ٢٥٨) عن الطلاق في الشرع: (وهو موافق لبعض مدلوله اللغوي) وفيما ذكرته تعقيب عليه، قال البعلي في المطلع ص (٣٣٣) عن الطلاق في الشرع: (وهو عائد إلى معناه لغة) أهـ وتجد مثله في الدر النقي (٣/ ٦٧١).
(٤) وهو الذي عرَّفه به في الدر المختار، ومعناه متفق عليه بين أهل العلم، وقد أضفت لتعريفه قيدًا وهو (أو بعضه) وفائدته إدخال الطلاق الرجعي، انظر: حاشية الروض المربع لابن قاسم (٦/ ٤٨٢)؛ وانظر: أمثلة لتعريفات الطلاق في فتح القدير؛ وشرح العناية (٣/ ٣٢٥)؛ البهجة في شرح التحفة (١/ ٣٣٦)؛ وانظر أيضًا: التعريفات ص (١٤١)؛ ومعجم لغة الفقهاء ص (٢٩١).
(٥) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين عليه (٢/ ٤١٤).
(٦) رواه ابن ماجة في سننه كتاب (الطلاق) باب طلاق العبد، برقم (٢٠٨١)، والدارقطني في سننه كتاب (الطلاق والخلع والإيلاء) (٤/ ٣٧) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه الدارقطني مرسلاً عن عكرمة وعن عصمة ابن مالك، وفي إسناد المرفوع عند الدارقطني أحمد بن الفرج مختلف فيه. انظر: لسان الميزان (١/ ٢٦٦)، والكامل لابن عدي (١/ ١٩٠) وفي إسناده عند ابن ماجة ابن لهيعة وهو ضعيف، وللحديث طرق يقوي بها، انظر: التعليق المغني (٤/ ٣٧) وزوائد ابن ماجة بحاشية السنن، وقد حسن الحديث الألباني في الإرواء (٢٠٤١)، وصحيح سنن ابن ماجة (١/ ٣٥٥).
(٧) رواه أبو داود في سننه كتاب (الطلاق) باب في المراجعة رقم (٢٢٨٠) وابن ماجة في سننه كتاب (الطلاق) باب حديثا سويد بن سعيد رقم (٢٠١٦) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإسناده صحيح، وأخرجه النسائي في سننه كتاب (الطلاق) باب الرجعة رقم (٣٥٦٠) من حديث ابن عمر وإسناده صحيح، وفي الباب عن أنس وعمار. انظر إن شئت مجمع الزوائد (٩/ ٢٤٤)، وإرواء الغليل رقم (٢٠٧٧)، والسلسلة الصحيحة (٢٠٠٧)، وانظر: قصة طلاقها في سير أعلام النبلاء (٢/ ٢٢٧) , الإصابة (٤/ ٥٢).
(٨) انظر: نيل الأوطار (٦/ ٢٤٧)، وجمع الفوائد (١/ ٦٧١).
(٩) ممن نقل الإجماع على مشروعيته ابن قدامة في المغني (١٠/ ٣٢٣)، وانظر: (حاشية الروض المربع) لابن قاسم (٦/ ٤٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>