للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن (الشيطان) مأخوذ من الفعل (شاط)، وعلى هذا الاشتقاق يكون على وزن فعلان، والنون فيه زائدة، بمعنى: احترق من الغضب، فهو من: شاط يشيط، وتشيط: إذا لفحَته النار فاحترق أو هلك، مثل هيمان وغيمان، مِن هام وغام (١)، فسمي الشيطان سمي شيطانا، لغيه وهلاكه (٢)، قال الأعشى (٣):

وَنَطْعَنُ الْعَيْرَ فِي مَكْنُونِ فَائِلِهِ ... وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أَرْمَاحِنَا الْبَطَلُ

أراد: وقد يهلك على أرماحنا (٤).

وذكر ابن الأثير أن نون (الشيطان) إذا جعلت أصلية كان من الشطن وهو: البعد عن الخير، أو الحبل الطويل، كأنه طال في الشر، وإن جعلت زائدة كان من شاط يشيط: إذا هلك، أو من استشاط غضباً، إذا احتد في غضبه والتهب، قال: والأول أصح (٥)، وذكر ابن كثير أن من العلماء من صحح المعنيين مع قولهم بأن الأول أصح (٦).

والشطن: البعد، ومنه شطنت داره، أي بعدت، ويقال: نوى شطون أي بعيدة، وبئر شطون: أي بعيدة القعر، ويقال للحبل شطن سمي بذلك لطوله، وجمعه أشطان، وفي الحديث: «كُلُّ هَوىً شَاطِنٌ فِي النَّارِ» (٧) (٨).

قال ابن قتيبة: "الشاطن البعيد عن الحق" (٩).

قال محمد بن إسحاق: " إِنَّمَا سمي شَيْطَانا لِأَنَّهُ شطن عَن أَمر ربه. والشطون: الْبعيد النازح " (١٠).

وقال أبو عبيد: "الشيطان كل عات متمرد من إنس، أو جن" (١١)، أو دابة، قال جرير (١٢):

أيامَ يدعُونني الشَيْطانَ من غَزَلٍ ... وهُنَّ يَهْوَيْنَني إذْ كنتُ شَيْطانا

ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيا عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: ١١٢]، وكذا قوله: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} [البقرة: ١٤]، أي أصحابهم من الجن والإنس، وقوله تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ} [الأنعام:


(١) انظر: مقاييس اللغة ٣/ ١٨٤ - ١٨٥)، ولسان العرب ١٧/ ١٠٥)، والمفردات - الراغب الأصفهاني: ٢٦١.
(٢) انظر: الزاهر في معاني كلمات الناس، أبو بكر الأنباري: ١/ ٥٦.
(٣) ديوانه: ٤٧، وانظر: المنجد في اللغة: ٢٣١، والفائل: عرق في الفخذين يكون في خربة الورك ينحدر في الرجلين.
(٤) انظر: الزاهر في معاني كلمات الناس، أبو بكر الأنباري: ١/ ٥٦.
(٥) النهاية في غريب الحديث والأثر: ٢/ ١١٦٠.
(٦) تفسير ابن كثير: ١/ ١٥.
(٧) غريب الحديث لابن قتيبة: ٣/ ٧٥٩، والفائق في غريب الحديث: ٢/ ٢٤٦، والنهاية في غريب الحديث: ٢/ ٤٧٥
(٨) لسان العرب: ١٣/ ٢٣٧.
(٩) غريب الحديث: ٣/ ٧٥٩.
(١٠) غريب الحديث لابن قتيبة: ٣/ ٧٥٩.
(١١) انظر: بحر العلوم، السرمقندي: ١/ ٢٧٧.
(١٢) ديوانه: ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>