للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥ - ومن فوائد الآية: التحذير من المخالفة بكون الله سبحانه وتعالى عالماً بما نعمل؛ وجه التحذير: تقديم المعمول.

١٦ - ومنها: الرد على غلاة القدرية الذين يقولون: إن الله لا يعلم بأفعال العباد إلا إذا وقعت؛ فإن قوله تعالى: {بما تعملون عليم} يتضمن ما قد عملناه بالفعل، وما سنعمله.

القرآن

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤)} [البقرة: ٢٨٤]

التفسير:

لله ملك السماوات والأرض وما فيهما ملكًا وتدبيرًا وإحاطة، لا يخفى عليه شيء. وما تظهروه مما في أنفسكم أو تخفوه فإن الله يعلمه، وسيحاسبكم به، فيعفو عمن يشاء، ويؤاخذ من يشاء. والله قادر على كل شيء، وقد أكرم الله المسلمين بعد ذلك فعفا عن حديث النفس وخطرات القلب ما لم يتبعها كلام أو عمل، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن كثير: " يخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض وما فيهن وما بينهن، وأنه المطلع على ما فيهن، لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر، وإن دقت وخفيت، وأخبر أنه سَيُحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم كما قال: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: ٢٩]، وقال: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: ٧]، والآيات في ذلك كثيرة جدا، وقد أخبر في هذه بمزيد على العلم، وهو: المحاسبة على ذلك، ولهذا لما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على الصحابة، رضي الله عنهم، وخافوا منها، ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها، وهذا من شدة إيمانهم وإيقانهم" (١).

وفي سبب نزول الآية قولان (٢):

أحدهما: أنها نزلت في كتمان الشهادة.

فقد أسند الطبري من طريق يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس، "أنه قال في هذه الآية {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} قال: نزلت في كتمان الشهادة" (٣). وروي مثله عن الشعبي (٤)، وعكرمة (٥).

والثاني: أنها نزلت فيمن يتولّى الكافرين من المؤمنين. وهو قول مقاتل والواقدي (٦).

قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} [البقرة: ٢٨٤]، أي: " ملك كل ما في السموات وما في الأرض" (٧).

قال الواحدي: " ملكا، وهو مالك أعيانه يملك تصريفه وتدبيره" (٨).

قال ابن عثيمين: " أن كل شيء في السموات أو في الأرض فهو لله خلقاً، وملكاً، وتدبيراً؛ وليس لأحد غيره فيه ملك" (٩).


(١) تفسير ابن كثير: ١/ ٧٢٨. وانظر الخبر في: المسند (٢٠٧١): ص ١/ ١٣٣، وصحيح مسلم: (١٢٥): ص ١/ ١١٦].
(٢) انظر: العجاب في بيان الأسباب: ١/ ٦٤٤ - ٦٤٥.
(٣) أخرجه الطبري (٦٤٥٤): ص ٦/ ١٠٣، وانظر: العجاب في بيان الأسباب: ١/ ٦٤٤ - ٦٤٥.
(٤) الطبري (٦٤٥٣): ص ٦/ ١٠٣.
(٥) أنظر: تفسير الطبري (٦٤٥١)، و (٦٤٥٢)، و (٦٤٥٥): ص ٦/ ١٠٣.
(٦) نقل عنهم الثعلبي في تفسيره: ٢/ ٢٩٩.
(٧) تفسير الطبري: ٦/ ١٠١.
(٨) تفسير االوسيط: ١/ ٤٠٧.
(٩) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٤٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>