للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٨٤]، أي: "وهو القادر على كل شيء الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون (١).

قال الزحيلي: " والله على كل شيء أراده قدير" (٢).

قال السعدي: " لا يعجزه شيء، بل كل الخلق طوع قهره ومشيئته وتقديره وجزائه" (٣).

قال ابن عثيمين: " أي يوجد المعدوم، ويعدم الموجود بدون عجز؛ لقوله تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً} [فاطر: ٤٤] " (٤).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: عموم ملك الله سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: {لله ما في السموات وما في الأرض}؛ وليس معلوماً لنا سوى السموات والأرض؛ ويدخل في السموات الكرسي، والعرش، والملائكة، وأرواح بني آدم التي تكون في السماء، كأرواح المؤمنين في الجنة؛ لأن المراد بذلك كل ما علا؛ بل ويشمل ما بين السماء والأرض من الأفلاك، والنجوم، وغير ذلك؛ لأنها داخلة في السموات؛ لأنها في جهتها؛ ويدخل في الأرض العاقل، وغير العاقل؛ فيشمل بني آدم، والجن، ويشمل الحيوانات الأخرى، ويشمل الأشجار، والبحار، والأنهار، وغير ذلك.

٢ - ومن فوائد الآية: أن الله عز وجل هو القائم على هذه السموات والأرض يدبرها كما يشاء؛ لأنها ملكه.

٣ - ومنها: أن الله لا شريك له في ذلك الملك؛ يستفاد ذلك من تقديم الخبر الذي حقه التأخير؛ وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر؛ و «الحصر» إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما سواه.

٤ - ومنها: وجوب إفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية؛ لأن الإقرار بالربوبية يستلزم الإقرار بالألوهية - ولابد؛ ولهذا قال الله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} [البقرة: ٢١]؛ فجعل الربوبية موجباً لعبادته؛ وفي سورة النمل قال تعالى: {أمن خلق السموات والأرض ... } [النمل: ٦٠] إلى آخر الآيات التي فيها تختم كل آية بقوله تعالى: {أإله مع الله} [النمل: ٦٠] يعني: فإذا كان هو المنفرد بما ذُكِر فإنه المنفرد بالألوهية.

٥ - ومن فوائد الآية: إثبات صفات الكمال لله عز وجل؛ لأننا إذا تأملنا في هذا الملك الواسع العظيم، وأنه يدبَّر بانتظام لا مثيل له علمنا بأن الذي يدبره كامل الصفات؛ فيؤخذ منه كل صفة كمال لله، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والعزة، والحكمة، وغير ذلك من صفاته عز وجل؛ لأنه لا يمكن أن يقوم بملك هذه الأشياء العظيمة إلا من هو متصف بصفات الكمال.

٦ - ومنها: إثبات أن السموات أكثر من واحدة؛ وهي سبع بنص القرآن، والسنة، والإجماع؛ أما القرآن فمثل قوله تعالى: {قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم} [المؤمنون: ٨٦]، وقوله تعالى: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن} [الطلاق: ١٢]؛ وأما السنة فمثل قوله (ص): «اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين ... » (٥) الحديث؛ وأما الأرض فإنها جاءت بلفظ الإفراد في القرآن، وجاءت في السنة بلفظ الجمع؛ وعددها سبع: جاء ذلك في صريح السنة، وفي ظاهر القرآن؛ ففي ظاهر القرآن: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض


(١) صفوة التفاسير: ١/! ٦٣.
(٢) التفسير الوسيط: ١/ ١٦٧.
(٣) تفسير السعدي: ١/ ١٢٠.
(٤) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٤٣٣.
(٥) أخرجه ابن حبان ٤/ ١٧٠، ذكر ما يقول المسافر إذا رأى قرية يريد دخولها، حديث رقم ٢٦٩٨، وأخرجه ابن خزيمة ٤/ ١٥٠، حديث رقم ٢٥٦٥؛ وأخرجه الحاكم ١/ ٤٤٦، كتاب المناسك، وقال: حديث صحيح الإسناد؛ وأقره الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>