للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلهن} [الطلاق: ١٢]؛ لأن المماثلة في الوصف متعذرة؛ فلم يبق إلا العدد؛ وأما في السنة لمثل قوله (ص): «من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين» (١).

٧ - ومن فوائد الآية: عموم علم الله وسعته؛ لقوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}؛ ولا محاسبة إلا من بعد علم.

٨ - ومنها: تحذير العبد من أن يخفي في قلبه ما لا يرضاه الله عز وجل؛ لأن الإنسان إذا علم بأن الله عالم بما يبدي وبما يخفي فسوف يراقب الله سبحانه وتعالى خوفاً من أن يحاسَب على ما أخفاه كما يحاسَب على ما أبداه.

٩ - ومنها: إثبات أن العبد يحاسب على ما في نفسه؛ وظاهره العموم؛ لقوله تعالى: {ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}؛ ولكن جاءت النصوص الأخرى بالتفصيل في ذلك على النحو التالي:

الأول: أن يكون ما يطرأ على النفس وساوس لا قرار لها، ولا ركون إليها؛ فهذه لا تضر؛ بل هي دليل على كمال الإيمان؛ لأن الشيطان إذا رأى من قلب الإنسان إيماناً ويقيناً حاول أن يفسد ذلك عليه؛ ولهذا لما شكا الصحابة إلى رسول الله (ص) ما يجدونه في أنفسهم من هذا قال صلى الله عليه وسلم: «وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم؛ قال: ذاك صريح الإيمان» (٢)؛ وفي حديث آخر: «الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة» (٣).

الثاني: أن يهمّ بالشيء المحرم، أو يعزم عليه، ثم يتركه؛ وهذا أنواع:

النوع الأول: أن يتركه لله؛ فيثاب على ذلك، كما جاءت به السنة فيمن همّ بسيئة فلم يعملها أنها تكتب حسنةً كاملة؛ قال الله تعالى: «لأنه تركها من جرّائي» (٤)، أي من أجلي.

النوع الثاني: أن يهمّ بها، ثم يتركها عزوفاً عنها؛ فهذا لا له، ولا عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات؛ وإنما لكل امرئ ما نوى» (٥).

النوع الثالث: أن يتمناها، ويحرص عليها؛ ولكن لا يعمل الأسباب التي يحصِّلها بها؛ فهذا يعاقب على نيته دون العقاب الكامل، كما جاء في الحديث في فقير تمنى أن يكون له مثل مال غني كان ينفقه في غير مرضاة الله؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فهو بنيته؛ فهما في الوزر سواء» (٦).

النوع الرابع: أن يعزم على فعل المعصية، ويعمل الأسباب التي توصل إليها؛ ولكن يعجز عنها؛ فعليه إثم فاعلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل؛ فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه» (٧).

١٠ - ومن فوائد الآية: إثبات محاسبة العبد؛ لقوله تعالى: {يحاسبكم به الله}؛ ولهذا يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» (٨)؛ فينبغي للإنسان أن يكون كيساً يحاسب


(١) اخرجه البخاري ص ٢٥٩، كتاب بدء الخلق، باب ٢: ما جاء في سبع أرضين، حديث رقم ٣١٩٨، وأخرجه مسلم ص ٩٥٨، كتاب المساقاة، باب ٣٠: تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، حديث رقم ٤١٣٢ [١٣٧] ١٦١٠، واللفظ لمسلم.
(٢) أخرجه مسلم ص ٢٠٠، كتاب الإيمان، باب ٦٠: بيان الوسوسة في الإيمان ... ، حديث رقم ٣٤٠ [٢٠٩] ١٣٢.
(٣) أخرجه أحمد ١/ ٢٣٥، حديث رقم ٢٠٩٧، وأخرجه أبو داود ص ١٥٩٧، كتاب الأدب، باب ١٠٨، في رد الوسوسة، حديث رقم ٥١١٢، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح ٣/ ٢٥٦.
(٤) أخرجه مسلم ص ٦٩٩ – ٧٠٠، كتاب الإيمان، باب ٥٩: إذا هم العبد بحسنة ... ، حديث رقم ٣٣٦ [٢٠٥] ١٢٩.
(٥) أخرجه البخاري ص ١: كتاب بدء الوحي، باب ١: كيف كان بدء الوحي، حديث رقم ١، وأخرجه مسلم ص ١٠١٩، كتاب الإمارة، باب قوله: إنما الأعمال بالنية حديث رقم ٤٩٢٧ [١٥٥] ١٩٠٧.
(٦) أخرجه أحمد ٤/ ٢٣٠، حديث رقم ١٨١٨٧، وأخرجه الترمذي ص ١٨٨٥ – ١٨٨٦، كتاب الزهد، باب ١٦: ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن، حديث رقم ٢٣٢٥؛ وأخرجه ابن ماجة ص ٢٧٣٣ كتاب الزهد، باب ٢٦: النية، حديث رقم ٤٢٢٨، وقال الألباني في صحيح الترمذي ٢/ ٢٧٠ حديث رقم ١٨٩٤: صحيح.
(٧) أخرجه البخاري ص ٤، كتاب الإيمان، باب (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ... )، حديث رقم ٣١، وأخرجه مسلم ص ١١٧٨، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ٤: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، حديث رقم ٧٢٥٢ [١٤] ٢٨٨٨.
(٨) نقله الترمذي عن عمر بن الخطاب ص ٨٩٩، كتاب صفة القيامة، باب ٣٥: حديث الكيس من دان نفسه، في سباق حديث رقم ٢٤٥٩، واخرجه ابن أبي شيبة ٨/ ١١٥، كتاب الزهد، كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حديث رقم ٣٤٤٤٨؛ وفيه راوٍ لم يسمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>