للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذنب أعلى مقاماً منه قبل الذنب؛ لأنه قبل الذنب قد يكون مستمرئاً للحال التي كان عليها، وماشياً على ما هو عليه معتقداً أنه كامل، وأن ليس عليه ذنوب؛ فإذا أذنب، وأحس بذنبه رجع إلى الله، وأناب إليه، وأخبت إليه، فيزداد إيماناً، ويزداد مقاماً - يرتفع مقامه عند الله عز وجل؛ ولهذا قال الله تعالى في آدم: {وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه} [طه: ١٢١، ١٢٢]- فجعل الاجتباء بعد هذه المعصية - {فتاب عليه وهدى} [طه: ١٢٢]؛ وهذا كثيراً ما يقع: إذا أذنب الإنسان عرف قدر نفسه، وأنه محتاج إلى الله، ورجع إلى الله، وأحس بالخطيئة، وأكثر من الاستغفار، وصار مقامه بعد الذنب أعلى من مقامه قبل الذنب.

١٣ - ومن فوائد الآية: تواضع المؤمنين، حيث قالوا: {سمعنا وأطعنا}، ثم سألوا المغفرة خشية التقصير.

١٤ - ومنها: إثبات أن المصير إلى الله عز وجل في كل شيء؛ لقوله تعالى: {وإليك المصير}؛ وقد سبق في التفسير أن المراد بذلك المصير إلى الله في الآخرة، والمصير إلى الله في الدنيا أيضاً؛ فهو الذي يحكم بين الناس في الدنيا والآخرة - كما قال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى: ١٠]: هذا في الدنيا؛ والآخرة: كما قال تعالى: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم} [الممتحنة: ٣]، وقال تعالى: {فالله يحكم بينكم يوم القيامة} [النساء: ١٤١].

القرآن

{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٨٦]

التفسير:

دين الله يسر لا مشقة فيه، فلا يطلب الله مِن عباده ما لا يطيقونه، فمن فعل خيرًا نال خيرًا، ومن فعل شرّاً نال شرّاً. ربنا لا تعاقبنا إن نسينا شيئًا مما افترضته علينا، أو أخطأنا في فِعْل شيء نهيتنا عن فعله، ربَّنا ولا تكلفنا من الأعمال الشاقة ما كلفته مَن قبلنا من العصاة عقوبة لهم، ربنا ولا تُحَمِّلْنَا ما لا نستطيعه من التكاليف والمصائب، وامح ذنوبنا، واستر عيوبنا، وأحسن إلينا، أنت مالك أمرنا ومدبره، فانصرنا على مَن جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك، وكذَّبوا نبيك محمدًا صلى الله عليه وسلم، واجعل العاقبة لنا عليهم في الدنيا والآخرة.

وردت في هذه الآية، والتي قبلها نصوص تدل على الفضل العظيم؛ منها (١):

١ - أنها من كنز تحت العرش (٢).

٢ - أنها فتحت لها أبواب السماء عند نزولها (٣).

٣ - أنها لم يعطها أحد من الأنبياء قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٤).

٤ - أن من قرأهما في ليلة كفتاه (٥).


(١) أنظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٧٣٣ وما بعدها، وتفسير ابن عثيمين: ٣/ ٤٥٠ - ٤٥١.
(٢) راجع أحمد ص ١٥٧١، حديث رقم ٢١٦٧٢، وص ١٥٩٠، حديث رقم ٢١٨٩٧، من حديث أبي ذر؛ قال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٦/ ٣١٥)؛ وقال الساعاتي: "وهو الذي أثبته هنا" (الفتح الرباني ١٨/ ٩٩ – ١٠١)؛ وقال الألباني: "إسناده صحيح على شرط مسلم" (السلسلة الصحيحة ٣/ ٤٧١، حديث رقم ١٤٨٢)؛ ومن حديث حذيفة راجع أحمد ص ١٧٢٦، حديث رقم ٢٣٦٤٠؛ والمعجم الكبير للطبراني ٣/ ١٦٩، حديث رقم ٣٠٢٥؛ مسند أبي داود الطيالسي ص ٥٦، حديث رقم ٤١٨؛ قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٦/ ٣٢٧، ٣١٥)؛ وقال الألباني: "إسناده صحيح على شرط مسلم" (السلسلة الصحيحة ٣/ ٤٧١، حديث رقم ١٤٨٢).
(٣) راجع مسلماً ص ٨٠٤، كتاب صلاة المسافرين، باب ٤٣: فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة ... ، حديث رقم ١٨٧٧ [٢٥٤] ٨٠٦؛ لكن فيه: "هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم ... ".
(٤) راجع حاشية رقم ١.
(٥) راجع البخاري ص ٣٢٧، كتاب المغازي، باب ١٢: حديث رقم ٤٠٠٨؛ ومسلماً ص ٨٠٤، كتاب صلاة المسافرين، باب ٤٣: فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة ... ، حديث رقم ١٨٧٨ [٢٥٥] ٨٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>