للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، قال النحاس بعد ذكره لأغلبها: "وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، أي: لا تأخذ عهدنا بما لا نقوم به إلا بثقل، أي: لا تحمل علينا إثم العهد كما قال تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: ٨١]، وما أمروا به فهو بمنزلة ما أخذ عهدهم به" (١).

وقال ابن عطية بعد ذكره لهذه الأقوال "والآصرة في اللغة: الأمر الرابط من ذمام أو قرابة أو عهد ونحوه، فهذه العبارات كلها تنحو نحوه" (٢).

قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦]، " أي لا تحمّلنا ما لا قدرة لنا عليه من التكاليف والبلاء" (٣).

قال ابن كثير: " أي: من التكليف والمصائب والبلاء، لا تبتلينا بما لا قبل لنا به" (٤).

قال الطبري: "وقولوا أيضًا: ربنا لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القيام به، لثِقَل حمله علينا" (٥).

قال القاسمي: " أي من بليات الدنيا والآخرة" (٦).

قال ابن عثيمين: "أي لا قدرة لنا على تحمله من الأمور الشرعية، والكونية" (٧).

قال القرطبي: أي" لا تثقلنا من العمل ما لا نطيق فتعذبنا، ويقال: ما تشق علينا، لأنهم لو أمروا بخمسين صلاة لكانوا يطيقون ذلك ولكنه يشق عليهم ولا يطيقون الإدامة عليه" (٨).

قال الزجاج: يعني " لا تحمل علينا أمرا يثقل كما حملته على الذين من قبلنا نحو ما مر به بنو إسرائيل من قتل أنفسهم، أي لا تمتحنا بما يثقل. [أيضا] نحو قوله: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: ٣٣]، والمعنى لا تمتحنا بمحنة تثقل ... فإن قال قائل - فهل يجوز أن يحمل الله أحدا ما لا يطيق؟ قيل له: إد أردت ما ليس في قدرته ألبتة فهذا محال، وإن أردت ما يثقل ويخسف فلله عز وجل أن يفعل من ذلك ما أحب، لأن الذي كلفه بني إسرائيل من قتل أنفسهم [يثقل]، وهذا كقول القائل: ما أطيق كلام فلان، فليس المعنى ليس في قدرتي أن كلمه ولكن معناه في اللغة أنه يثقل علي" (٩).

روي "عن أبي هريرة: {ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به}، قال: نعم" (١٠). قال ابن أبي حاتم: "وروى ابن عباس والضحاك ومحمد بن كعب والسدي، قال: يقول الله عز وجل: قد فعلت وقال سعيد بن جبير: لا أحمله عليكم" (١١).

وقد تعددت عبارات أهل التفسير في المراد بقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦]، على وجوه:

أحدها: أنه يعني: " لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق". قاله الضحاك (١٢)، وروي عن ابن زيد (١٣)، والسدي (١٤)، ومكحول (١٥)، وقتادة (١٦)، نحو ذلك.


(١) معاني القرآن: ١/ ٣٣٥.
(٢) المحرر الوجيز: ١/ ٣٩٤.
(٣) صفوة التفاسير: ١/ ١٦٣.
(٤) تفسير ابن كثير: ١/ ٧٣٨.
(٥) تفسير الطبري: ٦/ ١٣٨.
(٦) محاسن التأويل: ٢/ ٢٤٨.
(٧) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٤٥٣.
(٨) تفسير القرطبي: ٣/ ٤٢٦.
(٩) معاني القرآن: ١/ ٣٧١.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٣١٠٣): ص ٢/ ٥٨٠ - ٥٨١.
(١١) تفسير ابن أبي حاتم: ٢/ ٥٨١.
(١٢) أخرجه الطبري (٦٥٢٦): ص ٦/ ١٣٩.
(١٣) أخرجه الطبري (٦٥٢٧): ص ٦/ ١٣٩، ولفظه: " لا تفترض علينا من الدّين ما لا طاقة لنا به فنعجز عنه".
(١٤) أخرجه الطبري (٦٥٣٠): ص ٦/ ١٣٩، وابن أبي حاتم (٣١٠٧): ص ٢/ ٥٨١. ولفظه: "من التغليظ والأغلال التي كانت عليهم من التحريم".
(١٥) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣١٠٦): ص ٢/ ٥٨١. ولفظه: الإنعاظ". أي: الأمر الشديد.
(١٦) أخرجه الطبري (٦٥٢٥): ص ٦/ ١٣٨، ولفظه: " تشديدٌ يشدِّد به، كما شدّد على من كان قبلكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>