للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أحسن ما يكون والاقتصار على نعته تعالى بهما في التسمية لما أنه الأنسب بحال المتبرك المستعين باسمه الجليل والأوفق لمقاصده" (١).

قال السعدي: "اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها، واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها، الإيمان بأسماء الله وصفاته، وأحكام الصفات، فيؤمنون مثلاً بأنه رحمن رحيم، ذو الرحمة التي اتصف بها، المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها، أثر من آثار رحمته، وهكذا في سائر الأسماء. يقال في العليم: إنه عليم ذو علم، يعلم [به] كل شيء، قدير، ذو قدرة يقدر على كل شيء" (٢).

قال الصابوني: " صفتان مشتقتان من الرحمة، أي الذي وسعت رحمته كل شيء، وعمَّ فضله جميع الأنام، بما أنعم على عباده من الخلق والرزق والهداية إلى سعادة الدارين، فهو الرب الجليل عظيم الرحمة دائم الإِحسان" (٣).

قال ابن العثيمين: " {الرَّحْمَنِ}: صفة للفظ الجلالة، و {الرحيم}: صفة أخرى، والرحمن هو ذو الرحمة الواسعة، والرحيم هو ذو الرحمة الواصلة، فالرحمن وصفه، والرحيم فعلُه، ولو أنه جيء بـ"الرحمن" وحدَه، أو بـ"الرحيم" وحده، لشمل الوصف والفعل، لكن إذا اقترنا فسِّر (الرَّحْمَنِ) بالوصف، و (الرَّحِيم) بالفعل" (٤).

قال ابن القيم (٥): {"الرحمن} فإن رحمته تمنعُ إهمالَ عباده، وعدم تعريفهم ما ينالون به غايةَ كمالِهم، فمن أعطى اسم "الرحمن" حقه عَرَف أنه متضمِّن لإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أعظمَ من تضمنه إنزال الغيث، وإنبات الكلأ، وإخراج الحَب، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح، لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظَّ البهائم والدواب، وأدرك منه أولو الألباب أمرًا وراء ذلك" (٦).

قال الماتريدي: " اسمان مأخوذان من الرحمة، لكنه روى فيهما: «رقيقان أحدهما أرق من الآخر» (٧)، وكأن الذي روي عنه هذا أراد به: لطيفان أحدهما ألطف من الآخر، دليل ذلك وجهان:


(١) تفسير أبي السعود: ١/ ١٥ ..
(٢) انظر "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" لعبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله نشر مؤسسة الرسالة (ص/٣٩).
(٣) صفوة التفاسير: ١/ ١٩.
(٤) تفسير العلامة محمد العثيمين (٢/ ٦).
(٥) هو الفقيه، المفتي، الإمام الرباني شيخ الإسلام الثاني أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي، ثم الدِّمشقي، الشهير بـ"ابن قيم الجوزية"، عاش في دمشق ودرس على يد ابن تيمية الدمشقي، ولازمه قرابة ١٦ عامًا، وتأثر به، وسجن في قلعة دمشق في أيام سجن ابن تيمية، وخرج بعد أن توفِّي شيخه عام ٧٢٨ هـ، ومن تلاميذه: ابن رجب الحنبلي، وابن كثير، والذهبي، وابن عبدالهادي، والفيروزآبادي صاحب "القاموس المحيط" - رحمهم الله تعالى - وغيرهم، وتوفي - رحمه الله - ليلة الخميس، ثالث عشرين من رجب الفرد سنة (٧٥١١ هـ)، ودفن بدمشق بمقبرة الباب الصغير.
(٦) انظر: تفسير القرآن الكريم؛ لابن القيم - نشر دار ومكتبة الهلال - بيروت ص/١٢، وينتبه أن هذا التفسير ليس مَن جمع ابن القيم- رحمه الله -؛ وإنما مِن صُنع بعض المعاصِرين في أوساط هذا القرنِ العشرين الذي جمعه من مؤلفات ابن القيم وقد أثنى عليه أهل العلم والله أعلم.
(٧) القول لخالد بن صفوان التميمي كما سيأتي، انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١): ص ١/ ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>