للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله تعالى: {والْحَرْثِ} [آل عمران: ١٤]، تفسيران:

أحدهما: أنه الزرع.

والثاني: أنه أرض الحرث، لأنها أصل، ويكون الحرث بمعنى المحروث. أفاده الماوردي (١).

قوله تعالى: {ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا} [آل عمران: ١٤]، " أي إِنما هذه الشهوات زهرة الحياة الدنيا وزينتُها الفانية الزائلة" (٢).

قال البيضاوي: " إشارة إلى ما ذكر" (٣).

قال الآلوسي: " أي ما يتمتع به أياما قلائل ثم يزول عن صاحبه" (٤).

قوله تعالى: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: ١٤]، أي: وعند الله حسن المرجع والثواب" (٥).

قال السدي: " يقول: حسن المنقلب، وهي الجنة" (٦).

قال البيضاوي: " أي المرجع، وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذات الحقيقية الأبدية بالشهوات المخدجة الفانية (٧).

قال الطبري: " وإنما أراد بذلك توبيخ اليهود الذين آثرُوا الدنيا وحبَّ الرياسة فيها، على اتباع محمد صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بصدقه" (٨).

قال السعدي: " فلما زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات، تعلقت بها نفوسهم ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين:

قسم: جعلوها هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي: وجه حصلوها، ولا فيما أنفقوها وصرفوها، فهؤلاء كانت زادا لهم إلى دار الشقاء والعناء والعذاب.

والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها وأن الله جعلها ابتلاء وامتحانا لعباده، ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة لهم وطريقا يتزودون منها لآخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته، قد صحبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال الله فيها {ذلك متاع الحياة الدنيا} فجعلوها معبرا إلى الدار الآخرة ومتجرا يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء صارت لهم زادا إلى ربهم.

وفي هذه الآية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم على هذه الشهوات التي يقدر عليها الأغنياء، وتحذير للمغترين بها وتزهيد لأهل العقول النيرة بها، وتمام ذلك أن الله تعالى أخبر بعدها عن دار القرار ومصير المتقين الأبرار، وأخبر أنها خير من ذلكم المذكور، ألا وهي الجنات العاليات ذات المنازل الأنيقة والغرف العالية، والأشجار المتنوعة المثمرة بأنواع الثمار، والأنهار الجارية على حسب مرادهم والأزواج المطهرة من كل قذر ودنس وعيب ظاهر وباطن، مع الخلود الدائم الذي به تمام النعيم، مع الرضوان من الله الذي هو أكبر نعيم، فقس هذه الدار الجليلة بتلك الدار الحقيرة، ثم اختر لنفسك أحسنهما واعرض على قلبك المفاضلة بينهما" (٩).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: حكمة الله عزّ وجلّ في ابتلاء الناس بتزيين حب الشهوات لهم في هذه الأمور السبعة، ووجه الحكمة أنه لولا هذه الشهوات التي تنازع الإنسان في اتجاهه إلى ربه لم يكن للاختبار في الدين فائدة.

٢ - ومنها: انه لا يذم من احب هذه الامور على غير هذا الوجه، وهو محبة الشهوة، لأنه إذا زينت له محبة هذه الأمور لا لأجل الشهوة لم يكن ذلك سببا لصده عن دين الله.


(١) انظر: النكت والعيون: ١/ ٣٧٧.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ١٧٢.
(٣) تفسير البيضاوي: ٢/ ٨.
(٤) روح المعاني: ٢/ ٩٧.
(٥) انظر: تفسير الطبري: ٦/ ٢٥٨، وصفوة التفاسير: ١٧٢.
(٦) أخرجه الطبري (٦٧٥٠): ص ٦/ ٣٤٢.
(٧) تفسير البيضاوي: ٢/ ٨.
(٨) تفسير الطبري: ٦/ ٣٤٣.
(٩) تفسير السعدي: ١/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>