للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو السعود: " بيان لكماله تعالى في أفعاله إثرَ بيانِ كماله في ذاته" (١).

قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ} [آل عمران: ١٨]، " أي: لا معبود في الوجود بحق إِلا هو (٢).

قوله تعالى: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: ١٨]، " أي: العزيز في ملكه الحكيم في صنعه" (٣).

قال ابن كثير: " {العزيز}: الذي لا يرام جنابه عظمةً وكبرياء، {الحكيم} في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره" (٤).

الفوائد:

١ - بيان فضيلة التوحيد، إذ أخبر الله به عباده بلفظ الشهادة.

٢ - ومن الفوئاد: بيان فضيلة الملائكة، إذ جعلهم الله تعالى في المرتبة الأولى في الشهادة بالتوحيد بعدع سبحانه وتعالى.

٣ - فضيلة العلم وأهله، لقوله: {وأولوا العلم}.

٤ - وصف الله تعالى بتمام العدل، لقوله: {قائما بالقسط}.

٥ - إثبات العزة والحكمة لله، لقوله: {العزيز الحكيم}، وأن عزة الله مبنية على الحكمة، وتنزيل الأشياء في منازلها، وهذا مأخوذ من ضم الاسمين الكريمين بعضهما إلى البعض، لأن العزيز من المخلوقين قد تأخذه العزة بالإثم فلا يقول الحق، أما الله تعالى فإنه يقول الحق مع كمال عزته.

القرآن

{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩)} [آل عمران: ١٩]

التفسير:

إن الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله، ولا يَقْبَل غيره هو الإسلام، وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية، واتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا يقبل الله مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى الإسلام الذي أُرسل به. وما وقع الخلاف بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فتفرقوا شيعًا وأحزابًا إلا من بعد ما قامت الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب; بغيًا وحسدًا طلبًا للدنيا. ومن يجحد آيات الله المنزلة وآياته الدالة على ربوبيته وألوهيته، فإن الله سريع الحساب، وسيجزيهم بما كانوا يعملون.

في سبب نزول الآية أقوال:

أحدها: أخرج الطبري من طريق الربيع بن أنس في هذه الآية قال: قال أبو العالية: {بَغْيًا بينهم}، يقول: بغيًا على الدنيا، وطلبَ ملكها وسلطانها، فقتل بعضهم بعضًا على الدنيا، من بعد ما كانوا علماءَ الناس" (٥)، قال الربيع: "إن موسى لما حضره الموتُ دعا سبعين حَبرا من أحبار بني إسرائيل، فاستودعهم التوراة، وجعلهم أمناء عليه، كلّ حبر جُزءًا منه، واستخلف موسى يوشع بن نون. فلما مضى القرن الأول ومضى الثاني ومضى الثالث، وقعت الفرقة بينهم - وهم الذين أوتوا العلم من أبناء أولئك السبعين – حتى أهَرقوا بينهم الدماء، ووقع الشرّ والاختلاف. وكان ذلك كله من قبل الذين أتوا العلم، بغيًا بينهم على الدنيا، طلبًا لسلطانها وملكها وخزائنها وزخرفها، فسلَّط الله عليهم جبابرتهم، فقال الله: {إن الدّين عند الله الإسلام} إلى قوله: {والله بصير بالعباد} " (٦).

والثاني: أخرج الطبري من طريق ابن إسحاق عن محمد بن جعفر ابن الزبير في هذه الآية، قال: "يعني بذلك النصارى" (٧).

والثالث: نقل الثعلبي عن الكلبي قال: " نزلت في يهوديين تركوا اسم الإسلام وتسموا باليهودية والنصرانية، قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} قال: دين الله هو الإسلام بغيا منهم، فلما وجدا نظيره قوله: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: ٤]، فقالت اليهود والنصارى: لسنا على ما سميتنا به يا محمد إن اليهودية والنصرانية سب هو الشرك، والدين هو الإسلام ونحن عليه" (٨).

قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩]، أي: إن "الشرع المقبول عند الله هو الإِسلام" (٩).

قال البيضاوي: " أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام، وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم" (١٠).

قال أبو الرباب القشيري: "يأمرهم بالإسلام وينهاهم عما سواه" (١١).

قال أبو العالية: " الإسلام: الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وسائر الفرائض لها تبع" (١٢).

قال الطبري: " ومعنى " الدين في هذا الموضع: الطاعة والذّلة، من قول الشاعر (١٣):

وَيَوْمُ الحَزْنِ إِذْ حُشِدَتْ مَعَدٌّ ... وَكَانَ النَّاسُ، إِلا نَحْنُ دِينَا

يعني بذلك: مطيعين على وجه الذل، ومنه قول القطامي (١٤):

كانَتْ نَوَارُ تَدِينُك الأدْيانا

يعني: تُذلك، وقول الأعشى ميمون بن قيس (١٥):

هُوَ دَانَ الرِّبَابَ إذْ كَرِهُوا الدِّ ... ينَ دِرَاكًا بِغَزْوَةٍ وَصِيَالِ

يعني بقوله: " دان " ذلل وبقوله: " كرهوا الدين "، الطاعة" (١٦).

وفي أصل "الاسلام"، قولان (١٧):

أحدهما: أن أصله مأخوذ من السلام وهو السلامة، لأنه يعود إلى السلامة.

والثاني: أن أصله التسليم لأمر الله في العمل بطاعته.

قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران: ١٩]، " أي: وما اختلف اليهود والنصارى في أمر الإِسلام ونبوة محمد عليه السلام" (١٨).

قال سعيد: يعني: "بنو اسرائيل" (١٩).

وفي أهل الكتاب الذين اختلفوا ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنهم أهل التوراة من اليهود، قاله الربيع (٢٠).

والثاني: أنهم أهل الإِنجيل من النصارى، قاله محمد بن جعفر بن الزبير (٢١)، ورجحه الطبري (٢٢).


(١) تفسير أبي السعود: ٢/ ١٧.
(٢) صفوة التفاسير: ١٧٤.
(٣) صفوة التفاسير: ١٧٤.
(٤) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٤.
(٥) تفسير الطبري (٦٧٦٧): ص ٦/ ٢٧٧.
(٦) تفسير الطبري (٦٧٦٩): ص ٦/ ٢٧٧ - ٢٧٨.
(٧) تفسير الطبري (٦٧٧٠): ص ٦/ ٢٧٨، ورواه ابن هشام في سيرته عن ابن إسحاق ٢/ ٢٢٧، وقوله: " يعني بذلك النصارى "، ليس في ابن هشام، وكأنه من تفسير الطبري للخبر.
(٨) تفسير الثعلبي: ، وانظر: العجاب: ٢/ ٦٦٩.
(٩) صفوة التفاسير: ١٧٤.
(١٠) تفسير البيضاوي: ٢/ ٩.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٣١٢): ص ٢/ ٦١٧.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٣١٣): ص ٢/ ٦١٧ - ٦١٨.
(١٣) البيت من شواهد الطبري في تفسيره: ٦/ ٢٧٤، ولم أتعرف على قائله.
(١٤) ديوانه: ١٥، وتمامه: "رَمَتِ المَقَاتِلَ مِنْ فُؤَادِكَ، بَعْدَ ما ... كانَتْ جَنُوبُ تَدِينُكَ الأدْيانَا".
(١٥) ديوانه: ١٢,
(١٦) تفسير الطبري: ٦/ ٢٧٤.
(١٧) انظر: النكت والعيون: ١/ ٣٧٩ - ٣٨٠.
(١٨) صفوة التفاسير: ١٧٤.
(١٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٣١٥): ص ٢/ ٦١٨.
(٢٠) انظر: تفسير الطبري (٦٧٦٩): ص ٦/ ٢٧٧ - ٢٧٨.
(٢١) انظر: تفسير الطبري (٦٧٧٠): ص ٦/ ٢٧٨.
(٢٢) انظر: تفسير الطبري: ٦/ ٢٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>