للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - ومنها: أن اختلاف اليهود والنصارى كان عن علم، وأن اختلافهم ليس لقصد الحق، وإنما لقصد البغي والعدوان بعضهم على بعض، حتى ليضل بعضهم بعضا.

٣ - ومنها: الإشارة إلى التحذير مما وقع هؤلاء الكفار الذين أوتوا الكتاب، ومعلوم أن البغي محذر منه، غير مرغوب فيه.

٤ - ومنها: التحذير من الكفر بآيات الله، وبالتالي الحثّ على الايمان بآيات الله، لأن القدح في الشيء مدح لضده.

٥ - بيان قدرة الله عزّ وجلّ بكونه سريع الحساب.

٦ - يستفاد من الآية الرد على الجبرية، ووجه ذلك أن الله تعالى أسند هذه الأفعال إلى فاعليها {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}، {بَغْيًا بَيْنَهُمْ}، {وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ}، وما اشبه ذلك، كل ذلك يفيد أن للإنسان إرادة وفعلا اختياريا، خلافا للجبرية الذين قالوا: إن أفعال العباد يجبر عليها الانسان.

القرآن

{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠)} [آل عمران: ٢٠]

التفسير:

فإن جادلك -أيها الرسول- أهل الكتاب في التوحيد بعد أن أقمت الحجة عليهم فقل لهم: إنني أخلصت لله وحده فلا أشرك به أحدًا، وكذلك من اتبعني من المؤمنين، أخلصوا لله وانقادوا له. وقل لهم ولمشركي العرب وغيرهم: إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم والهدى والحق، وإن توليتم فحسابكم على الله، وليس عليَّ إلا البلاغ، وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة. والله بصير بالعباد، لا يخفى عليه من أمرهم شيء.

في سبب نزول الآية: قال ابن حجر: "قال ابن الكلبي: لما نزلت: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} قالت اليهود والنصارى: لسنا على ما تسمينا به يا محمد إنما اليهودية والنصرانية ليست لنا، والدين هو الإسلام ونحن عليه، فأنزل الله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ} أي: خاصموك في الدين: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} قال: فقالوا: أسلمنا، فقال لليهود: "أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله، فقالوا: لا فنزلت: {وَإِنْ ١ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} " (١).

قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} [آل عمران: ٢٠]، "أي إِن جادلوك يا محمد في شأن الدِّين فقل لهم: أنا عبدٌ لله قد استسلمتُ بكليتي لله، وأخلصت عبادتي له وحده" (٢).

قال محمد بن جعفر بن الزبير: "أي: بما يأتونك به من الباطل، من قولهم: " خَلقنا، وفعلنا، وجعلنا، وأمرنا "، فإنما هي شبه باطلة قد عرفوا ما فيها من الحق {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} " (٣).

قال الحسن: " إن حاجك اليهود والنصارى فقل: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} " (٤).

قال ابن كثير: " أي: جادلوك في التوحيد فقل أخلصت عبادتي لله وحده، لا شريك له ولا ند له، ولا ولد ولا صاحبة له" (٥).

قال الزمخشري: "فإن جادلوك في الدين، فقل: أخلصت نفسي وجملتي للَّه وحده لم أجعل فيها لغيره شركا بأن أعبده وأدعوه إلها معه يعنى أن دينى التوحيد وهو الدين القديم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندي، وما جئت بشيء بديع حتى تجادلونى فيه. ونحوه (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} [آل عمران: ٦٤]، فهو دفع للمحاجة بأن ما هو عليه ومن معه من المؤمنين هو حق اليقين الذي لا لبس فيه فما معنى المحاجة فيه" (٦).


(١) العجاب: ٢/ ٦٧٠. وهذا القول غريب جدا.
(٢) صفوة التفاسير: ١٧٤.
(٣) أخرجه الطبري (٦٧٧٣): ص ٦/ ٢٨٠.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٣٢١): ص ٢/ ٦١٩.
(٥) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٦.
(٦) الكشاف: ١/ ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>