للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال سعيد بن جبير: " يعني: من أعمالهم" (١).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: عظم يوم القيامة، لقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ}.

٢ - ومنها: النداء بالنعي على هؤلاء الذين ليس لهم في ذلك اليوم إلا الخيبة والخسران، إذ خسروا الدنيا والآخرة.

٣ - إثبات يوم القيامة، وأن من شكّ فيه فهو كافر، لقوله: {لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ}.

٤ - أن يوم القيامة هو يوم التوفية الكاملة، لقوله: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ}، والانسان قد يوفى شيئا من عمله في الدنيا مثل المخرج من الضيق وسعة الرزق، قال تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢]، فهذا جزاء في الدنيا، واجر الآخرة أعظم.

٥ - انتفاء الظلم عن الله تعالى، لقوله: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}، ويكون نفي الظلم لكمال العدل، فكل صفة نفاها الله عن نفسه فإنما يراد بها ثبوت كما الضد" (٢).

القرآن

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)} [آل عمران: ٢٦]

التفسير:

قل -أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء-: يا مَن لك الملك كلُّه، أنت الذي تمنح الملك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك، وتسلب الملك ممن تشاء، وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء، وتجعل الذلَّة على من تشاء، بيدك الخير، إنك -وحدك- على كل شيء قدير. وفي الآية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق به سبحانه.

في تفسير الآية أقوال:

أحدها: قال قتادة: " وذكر لنا: أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه جل ثناؤه أن يجعل له ملك فارسَ والروم في أمته، فأنزل الله عز وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} إلى {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} " (٣). وهكذا ذكره مقاتل (٤).

الثاني: ونقل الثعلبي عن ابن عباس، وأنس بن مالك: "لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم. قالت: المنافقين واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس، هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم. فأنزل الله تعالى هذه الآية" (٥).

الثالث: وذكر الثعلبي هنا حديث عمرو بن عوف المزني في قصة ضرب الصخرة بالخندق وفي آخره: "فأنزل القرآن: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}، وأنزل الله في هذه القصة قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} في ذلك" (٦).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٣٤٩): ص ٢/ ٦٢٤.
(٢) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٥٤.
(٣) أخرجه الطبري (٦٧٩٠): ص ٦/ ٣٠٠، وابن أبي حاتم (٣٣٥٢): ص ٢/ ٦٢٤.
(٤) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٦٩.
(٥) تفسير الثعلبي: ٣/ ٤٠.
(٦) تفسير الثعلبي: ٣/ ٤٠ - ٤١. ونص الرواية: " روي كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق في عام الأحزاب. ثم قطع أربعين ذراعا بين كل عشرة، قال: فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، وكان رجلا قويا، فقال المهاجرون: سلمان منا. وقال الأنصار: سلمان منا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سلمان منا أهل البيت» [رواه الطبراني، وفيه: كثيرَ بن عبد اللَّه المزني، وقد ضعفه الجمهور، وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد: ٦/ ١٨٩]. .
قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا، فحفرنا حتى بلغنا الصدى أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا. فقلنا يا سلمان: آت إلى رسول الله وأخبره خبر هذه الصخرة. فإما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيها بأمر، فإنا لا نحب أن نجاوز خطة.
قال: فرقى سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية. فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق، وكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيء منها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، قال: فهبط رسول الله مع سلمان الخندق وبقينا نحن التسعة على شفة الخندق. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، يعني المدينة، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبر المسلمون، ثم ضربها صلى الله عليه وسلم فكسرها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح، وكبر المسلمون معه. فأخذ بيد سلمان ورقى. فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط! فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال: رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا وقد رأيناك تضرب فيخرج برق كالموج، فرأيناك تكبر فنكبر ولا نرى شيئا غير ذلك، قال: ضربت ضربتي الأولى، فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل (عليه السلام) أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور بصرى من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل (عليه السلام) أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا. فاستبشر المسلمون، وقالوا: الحمد لله موعود صدق بأن وعدنا النصر بعد الحصر. فطبقت الأحزاب فقال: المسلمون: {هذا ما وعدنا الله ورسوله} الآية [الأحزاب: ٢٢].
وقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا، قال: فأنزل القرآن: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} [الأحزاب: ١٢]، وأنزل الله في هذه القصة قوله تعالى: {قل اللهم مالك الملك} ".

<<  <  ج: ص:  >  >>