للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنهم غرهم قولهم: {لن تمسنا النار إلا أياما معدودات}. قاله مجاهد (١).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: بطلان الأماني، وأن النفس قد تُمني الإنسان ما لا يكون.

٢ - التحذير من الاتكال على الأماني، لأن هذا من صنع اليهود والنصارى، وكثير من العامة يقعون في المعاصي ويمنون انفسهم بالمغفرة إذا وقعوا في المعصية.

٣ - إن هؤلاء يؤمنون بالبعث، ولكن لم ينفعهم الإيمان، لقوله: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، ويتفرغ من هذا أنه لا يكفي في الإيمان أن يؤمن الانسان بوجود الله، وباليوم الىخر، دون أن يستلزم هذا الإيمان قبولا وإذعانا، فمجرد التصديق لايعد إيمانا.

٤ - أن الانسان قد يغره ما هو عليه من الدين، لقوله: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}، فقد يغتر الانسان بعباداته، فيقول بأنه لن يعذب، وهذا قصور في النظر، لأنه ليس الشأن أن تصلي وتزكي وتصوم أو تحج، وإنما الشان كل الشأن أن يقبل منك هذا العمل، فكم من عامل ليس له من عمله إلا التعب لوجود مبطل سابق كعدم الإخلاص او مبطل لاحق كالإعجاب مثلا، وقد يبتلى الإنسان بالبدعة، فكم من اناس يحبون الخير ولجهلهم يبتدعون في دين الله ما ليس منه، فيكون عملهم مردودا، لأن من شط قبول العمل أن يكون موافقا لما جاء بع الرسول-صلى الله عليه وسلم- لقوله: "من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو ردّ" (٢).

القرآن

{فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٥)} [آل عمران: ٢٥]

التفسير:

فكيف يكون حالهم إذا جمعهم الله ليحاسَبوا في يوم لا شك في وقوعه -وهو يوم القيامة-، وأخذ كل واحد جزاءَ ما اكتسب، وهم لا يظلمون شيئا؟

قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: ٢٥]، " أي كيف يكون حالهم يوم القيامة حين يجمعهم الله للحساب" (٣).

قال الثعلبي: " أي فكيف يصنعون ليوم لا ريب فيه: وهو يوم القيامة" (٤).

قال الزمخشري: أي: " فكيف يصنعون فكيف تكون حالهم، وهو استعظام لما أعد لهم وتهويل لهم، وأنهم يقعون فيما لا حيلة لهم في دفعه والمخلص منه، وأن ما حدثوا به أنفسهم وسهلوه عليها تعلل بباطل وتطمع بما لا يكون" (٥).

قال ابن عثيمين: والاستفهام للتعظيم، أي: ما أعظم ما تكون حالهم في ذلك اليوم، وما اشد حسرتهم" (٦).

نقل الثعلبي عن الضحاك عن ابن عباس، قال: "أول راية ترفع لأهل الموقف ذلك اليوم من رايات الكفار راية اليهود، فيقمعهم الله على رؤوس الاشهاد ثم يأمر بهم الى النار" (٧).

قوله تعالى: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} [آل عمران: ٢٥]، " أي نالت كل نفسٍ جزاءها العادل" (٨).

قال سعيد بن جبير: يعني: توفى كل نفس أو فاجر ما عملت من خير أو شر" (٩).

قوله تعالى: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: ٢٥]، وهم "لا يظلمون بزيادة العذاب أو نقص الثواب" (١٠).

قال الثعلبي: أي: " لا ينقصون من حسناتهم ولا يزداد على سيئاتهم" (١١).


(١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٣٤٧): ص ٢/ ٦٢٣.
(٢) أخرجه مسلم (١٧١٨).
(٣) صفوة التفاسير: ١٧٥.
(٤) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٩.
(٥) الكشاف: ١/ ٣٤٩.
(٦) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٥١.
(٧) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٩.
(٨) صفوة التفاسير: ١٧٥.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٣٤٨): ص ٢/ ٦٢٣ - ٦٢٤.
(١٠) صفوة التفاسير: ١٧٥.
(١١) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>