للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - من فوائد الآية: أنه ليس كل من اعطى علما يوفق للعمل به، لقوله: {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ}.

٢ - أن هؤلاء المعرضون قد قامت عليهم الحجة، لكونهم دعوا، وهذا هو محط الذم، أما لو لم يدعوا، ولم يعلموا الحق، فإنهم لا يذمون على ذلك إذا لم يفرطوا بطلب الحق.

٣ - إن الواجب التحاكم إلى كتاب الله، وأن يكون الحكم فيه كتاب الله في كل شيء، العبادات والمعاملات والأخلاق والاعمال، لأنه لم يخصص منها شيء، لقوله: {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}.

٤ - إن الذين دعوا الى كتاب الله ممن اوتوا نصيبا من الكتاب لم يتولوا جميعا، والأمر كذلك فإن كثيرا من اليهود والنصارى اسلموا وحسن اسلامهم.

٥ - ذم من يتولى بإعراض، لقوله: {ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ}، فالتولي إذا كان بإعراض وعدم المبالاة كان اشد، والتولي مذموم كله.

القرآن

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)} [آل عمران: ٢٤]

التفسير:

ذلك الانصراف عن الحق سببه اعتقاد فاسد لدى أهل الكتاب; بأنهم لن يعذَّبوا إلا أيامًا قليلة، وهذا الاعتقاد أدى إلى جرأتهم على الله واستهانتهم بدينه، واستمرارهم على دينهم الباطل الذي خَدَعوا به أنفسهم.

قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران: ٢٤]، " أي ذلك التولي والإِعراض بسبب افترائهم على الله وزعمهم أن النار لن تصيبهم إلا مدةً يسيرة" (١).

قال ابن كثير: "أي: إنما حملهم وجَرّأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم إنما يعذبون في النار سبعة أيام، عن كل ألف سنة في الدنيا يوما" (٢).

واختلفوا في قوله اليهود {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران: ٢٤] على أربعة أقاويل:

أحدها: أنها الأيام التي عبدوا فيها العجل وهي أربعون يوماً، قاله قتادة (٣)، والربيع (٤).

والثاني: أنها سبعة أيام، وهذا قول الحسن (٥).

والثالث: أنهم يعنون الأيام التي خلق فيهم آدم. قاله مجاهد (٦).

والرابع: أنها متقطعة لانقضاء العذاب فيها، نسبه الماوردي إلى بعض المتأخرين (٧).

قوله تعالى: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران: ٢٤]، " أي غرهم كذبهم على الله" (٨).

قال أبو عبيدة: يعني: " يختلقون الكذب" (٩).

قال ابن كثير: " أي: ثَبَّتهم على دينهم الباطل ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياما معدودات، وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم وافتعلوه، ولم ينزل الله به سلطانا" (١٠).

ويحتمل قوله تعالى: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمرام: ٢٤]، وجهين:

أحدهما: حين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه. قاله الربيع، وقتادة (١١).


(١) صفوة التفاسير: ١٧٥.
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٨.
(٣) انظر: تفسير الطبري (٦٧٨٦): ص ٦/ ٢٩٣.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٦٧٨٧): ص ٦/ ٢٩٣.
(٥) انظر: النكت والعيون: ١/ ٣٨٣.
(٦) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٣٤٥): ص ٢/ ٦٢٣.
(٧) انظر: النكت والعيون: ١/ ٣٨٣.
(٨) صفوة التفاسير: ١٧٥.
(٩) أخرجه ابن المنذر (٣٢٨): ص ١/ ١٥٧.
(١٠) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٨.
(١١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٣٤٦): ص ٢/ ٦٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>