للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦]، وقال الرسول-صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (١).

٤ - ومن فوائد الآية: الرد على الجبرية الذين يوقولن بان الإنسان مجبر على عمله وليس له فيه إرادة، ووجه الرد عليهم: ان الله اضاف الفعل إلى الإنسان فقال: {إن تخفوا}.

٥ - ومنها: ان الله محيط بكل شيء علما، حتى ما بين جوانح الإنسان، لقوله: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}، وبالتالي التحذير من أن يسرّ الإنسان في نفسه ما لا يرضى الله.

٦ - ومنها: عموم علم الله، لقوله: {وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.ومنها: إثبات السماوات، وأنها جمع، وقد صرّح الله تعالى في كتابه بانها سبع سماوات، فقال: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: ٤٤]، في حين لم تأتي كلمة "الأرض" في القرآن مجموعة، وإنما جاءت في السنة مجموعة، وقد دلّت عليه النص القرآن بانه ايضا سبع طبقات، فقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢].

٧ - ومنها: إثبات قدرة الله تعالى، لقوله: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وعموم هذه القدرة لقوله: {كُلِّ شَيْءٍ}.

٨ - ومنها: إرشاد الانسان أن يتعلق بربه، لأنه متى ما عرف الانسان بأن ربه على كل شيء قدير فإنه لن يمنعه مانع من ان يلتجئ إليه سبحانه وتعالى بسؤال ما يريد.

القرآن

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠)} [آل عمران: ٣٠]

التفسير:

وفي يوم القيامة يوم الجزاء تجد كل نفس ما عملت من خير ينتظرها موفرًا لتُجزَى به، وما عملت من عمل سيِّئ تجده في انتظارها أيضًا، فتتمنى لو أن بينها وبين هذا العمل زمنًا بعيدًا. فاستعدوا لهذا اليوم، وخافوا بطش الإله الجبار. ومع شدَّة عقابه فإنه سبحانه المتصف بكمال الرحمة بالعباد.

قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: ٣٠]، " أي: يوم القيامة يجد كل إِنسان جزاء عمله حاضراً لا يغيب عنه" (٢).

قوله {محضرا}، يعني: "موفرا"، قاله قتادة (٣).

وقال مطر: يعني: " موفرا مكنزا" (٤).

قال ابن كثير: " يعني: يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر، كما قال تعالى: {يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: ١٣] " (٥).

قوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: ٣٠]، " أي وإِن كان عمله سيئاً تمنّى أن لا يرى عمله، وأحبَّ أن يكون بينه وبين عمله القبيح غايةً في نهاية البعد" (٦).

قال مقاتل: " يعني أجلا بعيدا بين المشرق والمغرب" (٧).

قال الثعلبي: " الأمد: الأجل والغاية التي ينتهي إليها، قال الله: {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} [الجن: ٢٥]، وقال: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} [الحديد: ١٦]، قال النابغة (٨):


(١) أخرجه البخاري (٥٢)، ومسلم (٤٠٩٤).
(٢) صفوة التفاسير: ١٧٨.
(٣) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٣٣٩٢): ص ٢/ ٦٣١.
(٤) أخرجه ابن ابي حاتم (٣٣٩٣): ص ٢/ ٦٣١.
(٥) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣١.
(٦) صفوة التفاسير: ١٧٨.
(٧) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٢٧٠.
(٨) ديوانه: ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>