للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران: ٢٩]، وجوه من التفسير:

أحدها: أن المراد ما يخفون من مودة الكفار، وموالاتهم. هذا قول أكثر المفسرين (١).

والثاني: أنه يعني: تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم -، يقول: إن أخفيتموه أو أظهرتم تكذيبه، بحربه وقتاله، يعلمه الله.

والثالث: أنه يريد: الضمير، وهذا يعم كل ما في قلب الإنسان. قاله عطاء (٢).

والراجح أنه لما نهى الله في الآية الأولى عن موالاة الكفار، خوف وحذر في هذه الآية عن إبطان موالاتهم؛ بأنه يعلم الإسرار، كما يعلم الإعلان (٣).

قوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [آل عمران: ٢٩]، أي: و"يعلم كل ما هو حادث في السماوات والأرض" (٤).

قال الطبري: " يعني: أنه إذ كان لا يخفى عليه شيء هو في سماء أو أرض أو حيث كان، فكيف يخفى عليه - أيها القوم الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين - ما في صدوركم من الميْل إليهم بالمودة والمحبة، أو ما تبدونه لهم بالمعونة فعلا وقولا" (٥).

قال ابن عباس: " خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش: اكتب، فقال القلم: وما أكتب؟ قال: علمي في خلقي إلى يوم القيامة الساعة، فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة فذلك يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يعلم ما في السماوات والأرض" (٦).

قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: ٢٩]، " أي وهو سبحانه قادر على الانتقام ممن خالف حكمه وعصى أمره" (٧).

قال محمد بن إسحاق: " أي إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير" (٨).

قال البيضاوي: أي: " فيقدر على عقوبتكم إن لم تنتهوا عما نهيتم عنه. والآية بيان لقوله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وكأنه قال ويحذركم نفسه لأنها متصفة بعلم ذاتي محيط بالمعلومات كلها، وقدرة ذاتية تعم المقدورات بأسرها، فلا تجسروا على عصيانه إذ ما من معصية إلا وهو مطلع عليها قادر على العقاب بها" (٩).

قال ابن كثير: " أي: قدرته نافذة في جميع ذلك، وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته، وألا يرتكبوا ما نهى عنه وما يَبْغضه منهم، فإنه عالم بجميع أمورهم، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة، وإنْ أنظر من أنظر منهم، فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر" (١٠).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: وجوب إبلاغ الناس بعلم الله تعالى بما في صدورهم، لقوله: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}.

٢ - ومنها: عموم علم الله تعالى بما افاه الإنسان وما أبداه.

٣ - ومنها: أن العقل في القلب، والتدبير في القلب، والإرادة في القلب، لأنه قال: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ}، وهي مسالة اختلف فيه اهل الكلام، هل العقل في القلب أو في الدماغ، ولكن تشير آيات القران والحديث الشريف بأن العقل في القلب، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا


(١) انظر: التفسير البسيط، للواحدي: ٥/ ١٧٥.
(٢) حكاه عنه الواحدي ولم اهتد إلى مصدر قوله، انظر: التفسير البسيط: ٥/ ١٧٦.
(٣) انظر: التفسير البسيط، للواحدي: ٥/ ١٧٦.
(٤) صفوة التفاسير: ١٧٨.
(٥) تفسير الطبري: ٦/ ٣١٨.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٣٩٠): ص ٢/ ٦٣١.
(٧) صفوة التفاسير: ١٧٨.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٣٩١): ص ٢/ ٦٣١.
(٩) تفسير البيضاوي: ٢/ ١٢.
(١٠) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>