للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الثعلبي: " أي يخوّفكم الله على موالاة الكفار وارتكاب المنهي ومخالفة المأمور، {من نفسه}: قال المفسرون: من عذاب نفسه وعقوبته وبطشه" (١).

قوله قال تعالى: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: ٢٨]، أي: "إليه المرجع والمنقلب، فيجازي كل عامل بعمله" (٢).

قال ابن الجوزي: " قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة}، قد ذهب قوم إلى أن المراد بالآية اتقاء المشركين أن يوقعوا فتنة أو ما يوجب القتل والفرقة ثم نسخ ذلك بآية السيف (٣)، وليس هذا بشيء، وإنما المراد من الآية جواز اتقائهم إذا أكرهوا المؤمن على الكفر بالقول الذي لا يعتقده وهذا الحكم باق غير منسوخ، وهو المراد بقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} (٤) ... وقد زعم إسماعيل السدي، أن قوله: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} منسوخة بقوله: {إلا أن تتقوا منهم تقاة}، ومثل هذا ينبغي تنزيه الكتب عن ذكره فضلا عن رده فإنه قول من لا يفهم ما يقول" (٥).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: تحريم اتخاذ الكفار أولياء، لقوله {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ}، عليه فإن اتخاذ الكافرين أولياء من الكبائر وينافي اصل الإيمان، او كمال الإيمان، لأن الحكم إذا عُلّق بوصف، فإنه يتبع ذلك الوصف قوة وضعفا، فكلما كمل الإيمان كملت المعاداة وانتفت الموالاة، والعكس صحيح.

٢ - ومنها: اتخاذ المؤمنون اولياء من المؤمنين وهو مقتضى الإيمان، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: ٧١]

٣ - سهولة الاسلام ويسره إذ رفع الحرج عن الأمة، وذلك بما اباح من اتخاذ التقاة عنج الضرورة، لقوله: : {إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}، شريطة ان ينوي اللإنسان أنها وقاية مما يخاف منهم، لا رضى بما فعلوا، او اطمئنانا إليه.

٤ - إن من اعظم الأشياء أن يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين، لقوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}. {نفسه}، أي: ذاته، والتعبير بالنفس اولا من التعبير بالذات وإن كان التعبير بالذات هو المشهور عند العلماء، لكن التعبير بالذات عن النفس ليس من اللغة العربية الفصحى، وإنما هو متلقي من اصطلاح عرفي.

٥ - وجوب رد الأشياء إلى الله تعالى، لقوله: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.

القرآن

{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)} [آل عمران: ٢٩]

قل -أيها النبي- للمؤمنين: إن تكتموا ما استقر في قلوبكم من موالاة الكافرين ونصرتهم أو تظهروا ذلك لا يَخْفَ على الله منه شيء، فإنَّ علمه محيط بكل ما في السماوات وما في الأرض، وله القدرة التامة على كل شيء.

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران: ٢٩]، أي: قل يا محمد "إِن أخفيتم ما في قلوبكم من موالاة الكفار أو أظهرتموه فإِن الله مطلع عليه لا يخفى عليه خافية" (٦).

قال السدي: "أخبرهم أنه يعلم ما أسرّوا من ذلك وما أعلنوا، فقال: {إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ} " (٧).

قال الزمخشري: أي: " إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه من ولاية الكفار أو غيرها مما لا يرضى الله يعلمه ولم يخف عليه" (٨).


(١) تفسير الثعلبي: ٣/ ٤٩.
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٠.
(٣) ذكر هبة الله هذه الآية من الآيات المنسوخة بآية السيف. انظر: الناسخ والمنسوخ ص: ٢٦.
(٤) الآية (١٠٦) من سورة النحل.
(٥) نواسخ القرآن: ٣٢٤ - ٣٢٥. ويجدر القول بأن ابن الجوزي لم يعترض لدعوى النسخ في هذه الآية في زاد المسير أصلا، وإنما رد ذلك واختار النسخ في مختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (٤) وقد أعرض عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية أمهات كتب النسخ المتقدمة.
(٦) صفوة التفاسير: ١٧٨.
(٧) أخرجه الطبري (٦٨٣٩): ص ٦/ ٣١٨.
(٨) الكشاف: ١/ ٣٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>