للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} [النساء: ١٠] " (١). وروي عن الضحاك نحوه (٢).

وقد ردّ ابن العربي دعوى النسخ هنا ردا عنيفا فقال: "أما من قال: إنه منسوخ فهو بعيد لا أرضاه، لأن الله تعالى يقول: {فليأكل بالمعروف} وهو الجائز الحسن، وقال: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} فكيف ينسخ الظلم المعروف بل هو تأكيد له في التجويز، لأنه خارج عن مغاير له، وإذا كان المباح غير المحظور لم يصح دعوى النسخ فيه" (٣).

الفوائد:

١ - وجوب اختبار اليتيم قبل دفع ماله إليه، إذ لا يدفع إليه المال إلا بعد وجود الرشد.

٢ - وجوب الإشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه ورشده.

٣ - حرمة أكل مال اليتيم والسفيه مطلقاً.

٤ - الوالي على اليتيم إن كان غنياً فلا يأكل من مال اليتيم شيئاً، وإن كان فقيراً استقرض ورد عند الوجد واليسار، وإن كان مال اليتيم يحتاج إلى أجير للعمل فيه جاز للوفي أن يعمل بأجرة المثل.

٥ - إثبات اسمه تعالى «الحسيب»، أي: الحفيظ، والكافي، والشهيد، والمحاسب.

قال الخطابي: "الحسيب: هو المكافىء. فعيل بمعنى: مفعل، كقولك: أليم، بمعنى: مؤلم. تقول العرب: نزلت بفلان فأكرمني وأحسبني، أي: أعطاني ما كفاني حتى قلت: حسبي. ومنه قول الشاعر (٤):

ونقفي وليد الحي إن كان جائعا ... ونحسبه إن كان ليس بجائع

والحسيب أيضا بمعنى: المحاسب، كقولهم: وزير، ونديم: بمغنى موازر ومنادم. ومنه قول الله -سبحانه-: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} [الإسراء: ١٤] أي: محاسبا" (٥).

جاء في الحديث: " إن كان أحدكم مادحا لا محالة؛ فليقل: أحسب كذا وكذا - إن كان يرى أنه كذلك -، وحسيبه الله، ولا يزكى على الله أحد" (٦).

القرآن

{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧)} [النساء: ٧]

التفسير:

للذكور -صغارًا أو كبارًا- نصيب شرعه الله فيما تركه الوالدان والأقربون من المال، قليلا كان أو كثيرًا، في أنصبة محددة واضحة فرضها الله عز وجل لهؤلاء، وللنساء كذلك.

في سبب نزول الآية وجهان:

أحدهما: أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير: " وذلك أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء ولا الولدان الصغار شيئا، يجعلون الميراث لذي الأسنان من الرجال، فنزلت: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} " (٧).

وفي السياق نفسه، قال قتادة: " كانوا لا يورثون النساء فنزلت: {وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} " (٨).

والثاني: وأخرج ابن المنذر (٩)، وابن أبي حاتم (١٠)، عن ابن عباس: " نزلت في أم كلثوم، وبنت أم كحلة، وثعلبة بن أوس، وسويد كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها".


(١) الناسخ والمنسوخ، للقاسم بن سلام (٤٣٨): ص ٢٣٨، والناسخ والمنسوخ للنحاس: ٢٩٥، ونواسخ القرآن، ابن الجوزي: ٢/ ٢٤٠.
(٢) انظر: الدر المنثور ٢/ ١٢، ونواسخ القرآن، لابن الجوزي: ٢/ ٣٤١.
(٣) انظر أحكام القرآن ١/ ٢٢٥.
(٤) البيت في: السمط: ٨٨٥، وذيله: ٦٨، منسوبان إلى أبي يزيد العقيلي، ونسبه في اللسان مادة (حسب)، و (دوا) إلى امرأة من قشير.
وفي الأساس (قفو) بدون نسبة. وإصلاح المنطق ص ٢٦٣، والعقد الفريد ٨/ ٤. وفي غريب القرآن ص ١٧، ٥١٠، أي: نعطيه ما يكفيه حتى يقول: حسبي. وانظر أسماء الله الحسنى للزجاج ص ٤٩.
(٥) شأن الدعاء: ١/ ٦٩ - ٧٠.
(٦) رواه: البخاري (٦١٦٢)، ومسلم (٣).
(٧) تفسير ابن أبي حاتم (٤٨٤٣): ص ٣/ ٨٧٢.
(٨) تفسير الطبري (٨٦٥٥): ص ٧/ ٥٩٨، وتفسير ابن أبي حاتم (٤٨٤٥): ص ٣/ ٨٧٢، وتفسير ابن المنذر (١٤٠٥): ص ٢/ ٥٧٧.
(٩) تفسير ابن المنذر (١٤٠٤): ص ٢/ ٥٧٧.
(١٠) تفسير ابن أبي حاتم (٤٨٤٤): ص ٣/ ٨٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>