للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: أخرج الطبري وابن ابي حاتم (١)، عن السدي: " كان أهل الجاهلية لا يورِّثون الجواريَ ولا الصغارَ من الغلمان، لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر، وترك امرأة يقال لها أم كجَّة، وترك خمس أخواتٍ، فجاءت الورثة يأخذون ماله، فشكت أم كجَّة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية: {فإن كُنَّ نساء فوق اثنتين فلهن ثُلُثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف}، ثم قال في أم كجة: {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن} " (٢).

والرابع: أخرج الطبري وابن أبي حاتم (٣)، عن ابن عباس: " {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}، وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين، كرهها الناس أو بعضهم، وقالوا: تعطى المرأة الربع والثمن، وتعطى الابنة النصف، ويعطى الغلام الصغير، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة! ! اسكتوا عن هذا الحديث لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه، أو نقول له فيغيِّره. فقال بعضهم: يا رسول الله، أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها، وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم، ونعطي الصبيَّ الميراث وليس يغني شيئًا؟ ! وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، لا يعطون الميراث إلا من قاتل، يعطونه الأكبر فالأكبر" (٤)، «فنزلت {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}» (٥).

قال ابن كثير: " والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة (٦) من هذه السورة كما سيأتي، فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات، ولم يكن له بنات، وإنما كان يورث كلالة، ولكن ذكرنا الحديث هاهنا تبعا للبخاري، رحمه الله، فإنه ذكره هاهنا. والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية، والله أعلم" (٧).

قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١]، " أي: يأمركم الله ويعهد إِليكم بالعدل في شأن ميراث أولادكم، بأن للإِبن من الميراث مثل نصيب البنتين" (٨).

قال ابن كثير: " أي: يأمركم بالعدل فيهم، فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث" (٩).

قال الزجاج: " معنى " يوصيكم ": يفرض عليكم، لأن الوصية من الله - عز وجل -فرض، والدليل على ذلك قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: ١٥١]، وهذا من المحكم علينا" (١٠).

ةقد ذكرا في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١]، وجهان (١١):

أحدهما: أن المعنى: يفرضكم الله، وقد سمى الله - تعالى – الميراث فريضة في غير آى من القرآن بقوله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ} [النساء: ٧]، ثم قال: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: ٧]، وقال -أيضا- في آخر هذه الآية: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: ١١]، ولأنه شيء تولى الله إيجابه من غير اكتساب أهله؛ فهو كالفرائض التي أوجبها الله على عباده من غير اكتساب أهلها؛ فعلى ذلك سمى هذه فريضة؛ لأن الله - تعالى – أوجبه.

والثاني: معناه: يبين الله في أولادكم. . . إلى آخر ما ذكر.


(١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٨٩٤): ص ٣/ ٨٨١.
(٢) تفسير الطبري (٨٧٢٥): ص ٨/ ٣١ - ٣٢.
(٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٨٩٦): ص ٣/ ٨٨٢.
(٤) تفسير الطبري (٨٧٢٦): ص ٨/ ٣٢.
(٥) هذه الزيادة في العجاب: ٢/ ٨٤٦.
(٦) وهو قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)} [النساء: ١٧٦].
(٧) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٢٤.
(٨) صفوة التفاسير: ٢٤٠.
(٩) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٢٥.
(١٠) معاني القرآن: ٢/ ١٨.
(١١) انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي: ٣/ ٣٦ - ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>