للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفوائد:

١ - حرمة أكل مال اليتامى ظلماً، والوعيد الشديد فيه.

قال السعدي: " وهذا أعظم وعيد ورد في الذنوب، يدل على شناعة أكل أموال اليتامى وقبحها، وأنها موجبة لدخول النار، فدل ذلك أنها من أكبر الكبائر. نسأل الله العافية" (١).

٢ - أن هذا القيد يخرج به ما تقدم، من جواز الأكل للفقير بالمعروف، ومن جواز خلط طعامهم بطعام اليتامى، قال تعالى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: ٢٢٠] أي: بمنزلة الإخوان، وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: ٢٢٠]، وكما قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦].

القرآن

{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١)} [النساء: ١١]

التفسير:

يوصيكم الله ويأمركم في شأن أولادكم: إذا مات أحد منكم وترك أولادًا: ذكورًا وإناثًا، فميراثه كله لهم: للذكر مثل نصيب الأنثيين، إذا لم يكن هناك وارث غيرهم. فإن ترك بنات فقط فللبنتين فأكثر ثلثا ما ترك، وإن كانت ابنة واحدة، فلها النصف. ولوالِدَي الميت لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد: ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو أكثر. فإن لم يكن له ولد وورثه والداه فلأمه الثلث ولأبيه الباقي. فإن كان للميت إخوة اثنان فأكثر، ذكورًا كانوا أو إناثًا، فلأمه السدس، وللأب الباقي ولا شيء للإخوة. وهذا التقسيم للتركة إنما يكون بعد إخراج وصية الميت في حدود الثلث أو إخراج ما عليه من دَيْن. آباؤكم وأبْناؤكم الذين فُرِض لهم الإرث لا تعرفون أيهم أقرب لكم نفعًا في دنياكم وأخراكم، فلا تفضلوا واحدًا منهم على الآخر. هذا الذي أوصيتكم به مفروض عليكم من الله. إن الله كان عليمًا بخلقه، حكيمًا فيما شرعه لهم.

في سبب نزول الآية أقوال:

أحدها: أخرج الإمام البخاري وغيره (٢)، عن جابر بن عبد الله قال: "عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سَلمَةَ ماشيين، فوجَدَني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا، فدعا بماء فتوضأ منه، ثم رَش عَلَيَّ، فأفقت، فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ} " (٣).

الثاني: أخرج الإمام احمد وغيره (٤)، عن جابر قال: "جاءت امرأة سعد بن الرَّبيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قُتل أبوهما معك في أحُد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يَدَعْ لهما مالا ولا يُنْكَحَان إلا ولهما مال. قال: فقال: «يَقْضِي اللَّهُ في ذلك». قال: فنزلت آية الميراث، فأرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: «أعْطِ ابْنَتي سعد الثلثين، وأُمُّهُمَا الثُّمُنَ، وما بقي فهو لك» " (٥).


(١) تفسير السعدي: ١٦٥.
(٢) وأخرجه مسلم (٣/ ٢٣٤ - ح: ١٦١٦) وأهل السنن (جامع الأصول: ٢/ ٨٠ - ٨٢)، (تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٢٤ - ٢٢٥) والحميدي (مسند الحميدي: ٢/ ٥١٦ - ح: ١٢٢٩) والحاكم المستدرك: ٢/ ٣٠٣)، والطبري (٨٧٣١): ص ٨/ ٣٤، والطيالسي (منحة المعبود: ٢/ ١٧ - ح: ١٩٤٥) والبيهقي (دلائل النبوة: ٦/ ١٦٢) وابن سعد (حاشية جامع الأصول: ٢/ ٨٣) وعبد بن حميد (فتح الباري: ٨/ ٢٤٤) وأبو يعلى (مسند أبي يعلى: ٤/ ١٥ - ح: ٢٠١٨)، والواحدي في أسباب النزول: ١٤٤ - ١٤٥. كلهم من طريق ابن جريج عن ابن المنكدر به.
وقد ذكر من أخرجه أن النازل هو قول تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم)، وأنا أرجح أن الآية هي قوله تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة ... ) الآية. في آخر ذكر المواريث، لانطباق هذا على حالة جابر رضي الله عنه حيث لم يكن له والد ولا ولد - وهو الكلالة - (المفردات للراغب الأصفهاني: ٤٣٧) أما آية (يوصيكم الله في أولادكم) فلا تنطبق عليه. بل تنطبق على السبب الآتي ذكره، وقد ذكر الراوي بداية هذه الآية تغليبا، وكان يقصد آخرها، والله تعالى أعلم، (راجع فتح الباري: ٨/ ٢٤٤، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ٥/ ٥٧) ..
(٣) فتح الباري (٤٥٧٧): ص ٨/ ٢٤٣.
(٤) وأخرجه أبو دادو في سننه برقم (٢٨٩٢، ٢٨٩١)، والترمذي في السنن: (٢٠٩٢)، وابن ماجة في السنن برقم (٢٧٢٠).
(٥) المسند (٣/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>