للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن ابن زيد: قال: أيهم خيرٌ لكم في الدين والدنيا، الوالد أو الولدُ الذين يرثونكم، لم يدخلِ عليكم غيرهم، فرَضَ لهم المواريث، لم يأت بآخرين يشركونهم في أموالكم" (١).

قال الطبري: " يقول: أعطوهم حقوقهم من ميراث ميتهم الذي أوصيتُكم أن تعطوهموها، فإنكم لا تعلمون أيهم أدنى وأشد نفعًا لكم في عاجل دنياكم وآجل أخراكم" (٢).

وقال مجاهد: " {أيهم أقرب لكم نفعًا}، في الدنيا" (٣).

قال ابن كثير: " أي: إنما فرضنا للآباء وللأبناء، وساوينا بين الكل في أصل الميراث على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية، وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من كون المال للولد وللوالدين الوصية، كما تقدم عن ابن عباس، إنما نسخ الله ذلك إلى هذا، ففرض لهؤلاء ولهؤلاء بحسبهم؛ لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي - أو الأخروي أو هما - من أبيه ما لا يأتيه من ابنه، وقد يكون بالعكس؛ فلهذا قال: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} أي: كأن النفع متوقع ومرجو من هذا، كما هو متوقع ومرجو من الآخر؛ فلهذا فرضنا لهذا ولهذا، وساوينا بين القسمين في أصل الميراث" (٤).

قال الراغب: " قيل: القصد بذلك أن المنفعة بهما متفاوتة، فإن المنفعة بالآباء في الصغر، وبالأبناء في الكبر.

وقيل: معناه تحروا ما أمرتم، ولا تعتبروا نفع الولد والوالد، فإن

ذلك يختلف عند اعتبار الآحاد.

وقيل: معناه لا يدري أحدكم أهو أقرب وفاة، فينتفع ولده بماله، أم الولد أقرب وفاة فينتفع الوالدان بماله، وإلى هذا المعنى أشار الشاعر (٥):

ما علم ذي ولد أيثـ ... كله أم الولد اليتيم؟

وهذا الذكر في الآية كالاستطراد، والقصد به يجب أن يتحرى في ماله الوجه الذي جعل له المال، فلا يمنع ذا حق من حقه، شفقة على ورثته، ولا يضعه في غير حقه "تفاديا من انتقال ماله إلى ورثته، بل يجب أن يتحرى القصد في ذلك، فليس يدري عواقب الأمور، وجملة ذلك أن في الآية حثا على تفويض الأمر إلى الله، والرضا بحكمه" (٦).

قوله تعالى {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: ١١]، أي: " هذا الذي أوصيتكم به مفروض عليكم من الله" (٧).

قال مقاتل: " قال في التقديم لهذه القسمة: فريضة ثابتة من الله" (٨).

قال الطبري: أي: " سهامًا معلومة موقتة بيَّنها الله لهم" (٩).

قال ابن كثير: " أي: من هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث، وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض - هو فرض من الله حكم به وقضاه" (١٠).

قوله تعالى {ِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: ١١]، أي: " إِنه تعالى عليم بما يصلح لخلقه حكيم فيما شرع وفرض" (١١).

قال ابن كثير: أي: " والله عليم حكيم الذي يضع الأشياء في محالها، ويعطي كلا ما يستحقه بحسبه" (١٢).

قال الطبري: أي: " إنّ الله لم يزل ذا علم بما يصلح خلقه، أيها الناس، فانتهوا إلى ما يأمركم، يصلح لكم أموركم. حكيما، يقول: لم يزل ذا حكمة في تدبيره، وهو كذلك فيما يقسم لبعضكم من ميراث بعض،


(١) أخرجه الطبري (٨٧٤٤): ص ٨/ ٤٩ - ٥٠.
(٢) تفسير الطبري: ٨/ ٤٨.
(٣) أخرجه الطبري (٨٧٤١): ص ٨/ ٤٩.
(٤) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٢٩.
(٥) انظر: البيت ليزيد بن الحكم الثقي، في بهجة المجالس لابن عبد البر: ٢٣٠، وفصل المقال في شرح كتاب الأمثال لأبي عبيد البكري: ٤٦٢، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: ٨٤٠، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي: ٢/ ٤٩، والمعنى: لايعلم الوالد ما يكون منه ومن ولده في الإمهال والاستعجال، أي لايدري أي الأمرين يقع. [انظر: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي: ٨٤١].
(٦) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ١١٢٨ - ١١٢٩.
(٧) التفسير الميسر: ٧٨.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٦١.
(٩) تفسير الطبري: ٨/ ٥٠.
(١٠) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٢٩.
(١١) صفوة التفاسير: ٢٤١.
(١٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>