للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الكلبي: "لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم " (١).

قال الزجاج: " أي: فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا، لا يجب به أن يسموا المؤمنين، وقيل: أي: إلا قليلا منهم، فإنهم آمنوا" (٢).

قال البغوي: أي: " إلا نفرا قليلا منهم، وهو عبد الله بن سلام ومن أسلم معه منهم" (٣).

قال الزمخشري: أي: " فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا أى ضعيفا ركيكا لا يعبأ به، وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره، أو أراد بالقلة العدم، كقوله (٤):

قَلِيلُ التَّشَكِّي للمُهِمِّ يُصِيبُهُ ... [كَثيرُ الهَوَى شَتَّى النَّوَى والمَسَالِك]

أى عديم التشكي، أو إلا قليلا منهم قد آمنوا" (٥).

قال ابن عطية: " {قليلا}: نعت، إما لإيمان وإما لنفر أو قوم، والمعنى مختلف، فمن عبر بالقلة عن الإيمان قال: إما هي عبارة عن عدمه على ما حكى سيبويه من قولهم: أرض قل ما تنبت كذا، وهي لا تنبته جملة، وإما قلل الإيمان لما قلت الأشياء التي آمنوا بها فلم ينفعهم ذلك، وذلك أنهم كانوا يؤمنون بالتوحيد ويكفرون بمحمد وبجميع أوامر شريعته ونواهيها، ومن عبر بالقلة عن النفر قال: لا يؤمن منهم إلا قليل، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، وغيرهما، وإذا قدرت الكلام نفرا قليلا، فهو نصب في موضع الحال وفي هذا نظر" (٦).

الفوائد:

١ - أن من صفات اليهود: تحريف الكلم عن مواضعه، إذ بين الله تعالى كيفية ضلال علماء اليهود وعنادهم وإيثارهم الباطل على الحق فقال: {من الذين هادوا حرفون الكلم عن مواضعه}.

٢ - أن تحريف اليهود يكمن في تغيير اللفظ أو المعنى، أو هما جميعا. فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم التي لا تنطبق ولا تصدق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم على أنه غير مراد بها، ولا مقصود بها بل أريد بها غيره، وكتمانهم ذلك، فهذا حالهم في العلم أشر حال، قلبوا فيه الحقائق، ونزلوا الحق على الباطل، وجحدوا لذلك الحق، وأما حالهم في العمل والانقياد فإنهم {يقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين}.

٣ - أن الله تعالى طرد اليهود من رحمته بسبب كفرهم وعنادهم، فقال: {ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}.

٤ - إن التحريف من دأب اليهود، قال الشيخ ابن عثيمين: " فكل من حرف نصوص الكتاب والسنة، ففيه شبه من اليهود، فأحذر هذا، ولا تتشبه بالمغضوب عليهم الذين جعل الله منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، لا تحرف، بل فسر الكلام على ما أراد الله ورسوله" (٧).

٥ - أن الإيمان القليل لا يجدي صاحبه ولا ينفعه بحال.


(١) أخرجه ابن المنذر (١٨٤٦): ص ٢/ ٧٣٥.
(٢) معاني القرآن: ٢/ ٥٩.
(٣) تفسير البغوي: ٢/ ٢٣٠.
(٤) لتأبط شرا، يمدح شمس بن مالك من رؤساء العرب. انظر: حماسة أبي تمام ١/ ٤٧. وقيل لأبى كبير الهذلي يمدح تأبط شرا. والمعنى: أنه عديم التشكي ليظهر المدح. أى لا يشتكى لأجل المهم حال كونه يصيبه. كثير هوى النفس. والشت كالشتات في الأصل مصدر، ويستعملان بمعنى المتفرق المنتشر. وروى نشر النوى، وهو بمعناه. وروى شتى النوى وهو جمع شتيت، أى متفرق مختلف، أى نواه ومسالكه شتى أى كثيرة مختلفة. والنوى: اسم جمع نواة، وهي نية المسافر، ويطلق على البعد أيضا فهو مذكر، ويطلق على نية المسافر فيؤنث. والموماة: المفازة لا ماء بها ..
(٥) الكشاف: ١/ ٥١٨ قال أبو حيان: ما ذكره من أنَّ القليل يراد به العدم" صحيح في نفسه، لكن ليس هذا التركيب الاستثنائي من تراكيبه. فإذا قلت: لا أقوم إلا قليلا، لم يوضع هذا لانتفاء القيام ألبتة، بل هذا يدل على انتفاء القيام منك إلا قليلا فيوجد منك. وإذا قلت: قلما يقوم أحد إلا زيد، وأقل رجل يقول ذلك احتمل هذا، أن يراد به التقليل المقابل للتكثير، واحتمل أن يراد به النفي المحض. وكأنك قلت: ما يقوم أحد إلا زيد، وما رجل يقول ذلك. إما أن تنفي ثم توجب ويصير الإيجاب بعد النفي يدل على النفي، فلا إذ تكون إلا وما بعدها على هذا التقدير، جيء بها لغوا لا فائدة فيه، إذ الانتفاء قد فهم من قولك: لا أقوم. فأي فائدة في استثناء مثبت يراد به الانتفاء المفهوم من الجملة السابقة؟ وأيضا، فإنه يؤدي إلى أن يكون ما بعد إلا موافقا لما قبلها في المعنى. وباب الاستثناء لا يكون فيه ما بعد إلا موافقا لما قبلها، وظاهر قوله: فلا يؤمنون إلا قليلا، إذا جعلناه عائدا إلى الإيمان، أن الإيمان يتجزأ بالقلة والكثرة، فيزيد وينقص، والجواب: أن زيادته ونقصه هو بحسب قلة المتعلقات وكثرتها". [البحر المحيط: ٣/ ٦٦٤ - ٦٦٥] ..
(٦) المحرر الوجيز: ٢/ ٦٢.
(٧) شرح العقيدة الواسطية: ١/ ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>