للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٤٧)} [النساء: ٤٧]

التفسير:

يا أهل الكتاب، صدِّقوا واعملوا بما نزَّلنا من القرآن، مصدقًا لما معكم من الكتب من قبل أن نأخذكم بسوء صنيعكم، فنمحو الوجوه ونحولها قِبَلَ الظهور، أو نلعن هؤلاء المفسدين بمسخهم قردة وخنازير، كما لعنَّا اليهود مِن أصحاب السبت، الذين نُهوا عن الصيد فيه فلم ينتهوا، فغضب الله عليهم، وطردهم من رحمته، وكان أمر الله نافذًا في كل حال.

في سبب نزول الآية وجهان:

أحدها: أخرج الطبري وابن أبي حاتم (١)، عن السدي: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} إلى قوله: {كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ}، قال: نزلت في مالك بن الصَّيِّف، ورفاعة بن زيد بن التابوت، من بني قينقاع" (٢).

والثاني: أخرج الطبري ابن عباس قال: "كلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود: منهم عبد الله بن صوريا، وكعب بن أسد فقال لهم: «يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا! فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحقٌّ! فقالوا: ما نعرف ذلك يا محمد! وجحدوا ما عرفوا، وأصرّوا على الكفر» (٣)، فأنزل الله فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا}، الآية" (٤). وروي عن عكرمة نحو ذلك (٥).

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [النساء: ٤٧]، أي: " يا أهل الكتاب" (٦).

قال الطبري: يعني: " اليهود من بني إسرائيل، الذين كانوا حوالَيْ مهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله لهم: يا أيها الذين أنزل إليهم الكتاب فأعطوا العلم به" (٧).

قال الماوردي: " يعني اليهود والنصارى" (٨).

قال ابو السعود: " تلوين للخطاب وتوجيه له إما إلى من حكيت أحوالهم وأقوالهم خاصة بطريق الالتفات ووصفهم تارة بإيتاء الكتاب أي التوراة وأخرى بإيتاء نصيب منها لتوفية كل من المقامين حقه فإن المقصود فيما سبق بيان أخذهم الضلالة وإزالة ما أوتوه بمقابلتها بالتحريف وليس ما أزالوه بذلك كلها حتى يوصفوا بإيتائه بل هو بعضها فوصفوا بإيتائه وأما ههنا فالمقصود تأكيد إيجاب الامتثال بالأمر الذي يعقبه والتحذير عن مخالفته من حيث أن الإيمان بالمصدق موجب للإيمان بما يصدقه والكفر بالثاني مقتض للكفر بالأول قطعا ولا ريب في أن المحذور عندهم إنما هو لزوم الكفر بالتوراة نفسها لا ببعضها وذلك إنما يتحقق بجعل القرآن مصدقا لكلها وإن كان مناط التصديق بعضا منها ضرورة أن مصدق البعض مصدق للكل المتضمن له حتما وإما إليهم وإلى غيرهم قاطبة وهو الأظهر وأياما كان فتفصيل ما فصل لما كان من مظان إقلاع كل من الفريقين عما كانوا عليه من الضلالة" (٩).

قوله تعالى: {آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} [النساء: ٤٧]، أي: " صدِّقوا واعملوا بما نزَّلنا من القرآن، مصدقًا لما معكم من الكتب" (١٠).

قال الطبري: أي: " صدِّقوا بما نزلنا إلى محمد من الفرقان، محقِّقًا للذي معكم من التوراة التي أنزلتها إلى موسى بن عمران" (١١).

قال ابن كثير: " يقول تعالى - آمرا أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات" (١٢).


(١) انظظر: تفسير ابن ابي حاتم (٥٤١٠): ص ٣/ ٩٦٨.
(٢) تفسير الطبري (٩٧٢١): ص ٨/ ٤٤٢.
(٣) صحيح البخاري: ٤/ ٢٦٠ بتفاوت ..
(٤) تفسير الطبري (٩٧٢٤): ص ٨/ ٤٤٥ - ٤٤٦.
(٥) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (٥٤١١): ص ٣/ ٩٦٨.
(٦) التفسير الميسر: ٨٦.
(٧) تفسير الطبري: ٨/ ٤٤٠.
(٨) النكت والعيون: ١/ ٤٩٤.
(٩) تفسير أبي السعود: ٢/ ١٨٥.
(١٠) التفسير الميسر: ٨٦.
(١١) تفسير الطبري: ٨/ ٤٤٠.
(١٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>