للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرابع: أخرج الطبري عن الحسن، قال: "هم اليهود والنصارى، قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} (١)، وقالوا: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} (٢) " (٣).

وفي السياق نفسه أخرج الطبري عن قتادة، قال: " وهم أعداء الله اليهود، زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه، فقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} (٤)، وقالوا: لا ذنوب لنا " (٥).

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: ٤٩]، "أي: ألم يبلغك خبر هؤلاء الذين يمدحون أنفسهم ويصفونها بالطاعة والتقوى؟ " (٦).

قال مجاهد: " هم اليهود كانوا يقدمون صبيانهم في الصلاة فيؤمونهم ويزعمون أنهم لا ذنوب لهم، فتلك التزكية (٧).

قال الزمخشري: " {لذين يزكون أنفسهم}: اليهود والنصارى، قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ... ويدخل فيها كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند الله. فإن قلت: أما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله إنى لأمين في السماء أمين في الأرض» (٨)؟ قلت: إنما قال ذلك حين قال له المنافقون: اعدل في القسمة، إكذابا لهم إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه. وشتان من شهد الله له بالتزكية، ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم " (٩).

قال الزجاج: " {ألم تر}: ألم تخبر في قول بعضهم، وقال أهل اللغة ألم تعلم وتأويله سؤال فيه معنى الإعلام، تأويله: أعلم قصتهم، وعلى مجرى اللغة ألم ينته علمك إلى هؤلاء، ومعنى يزكون انفسهم أي تزعمون أنهم أزكياء، وتأويل قولنا: زكاء الشيء: في اللغة نماؤه في الصلاح. وهذا أيضا يعني به إليهود" (١٠).

قال السعدي: " هذا تعجيب من الله لعباده، وتوبيخ للذين يزكون أنفسهم من اليهود والنصارى، ومن نحا نحوهم من كل من زكى نفسه بأمر ليس فيه. وذلك أن اليهود والنصارى يقولون: {نحن أبناء الله وأحباؤه} ويقولون: {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} وهذا مجرد دعوى لا برهان عليها، وإنما البرهان ما أخبر به في القرآن في قوله: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} فهؤلاء هم الذين زكاهم الله" (١١).

قوله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٩]، أي: " بل الله تعالى وحده هو الذي يثني على مَن يشاء مِن عباده، لعلمه بحقيقة أعمالهم" (١٢).

قال الزجاج: " أي: يجعل من يشاء زاكيا" (١٣).

قال الزمخشري: " إعلام بأن تزكية الله هي التي يعتد بها، لا تزكية غيره لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية. ومعنى يزكى من يشاء: يزكى المرتضين من عباده الذين عرف منهم الزكاء فوصفهم به ولا يظلمون فتيلا أى الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم حق جزائهم. أو من يشاء يثابون على زكائهم ولا ينقص من ثوابهم. ونحوه: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: ٣٢] " (١٤).


(١) [سورة المائدة: ١٨].
(٢) [سورة البقرة: ١١١].
(٣) تفسير الطبري (٩٧٣٤): ص ٨/ ٤٥٢.
(٤) [سورة المائدة: ١٨].
(٥) تفسير الطبري (٩٧٣٣): ص ٨/ ٤٥٢.
(٦) صفوة التفاسير: ٢٥٧.
(٧) تفسير مجاهد: ٢٨٣، واخرجه ابن المنذر (١٨٥٩): ص ٢/ ٧٤٠
(٨) لم اقف عليه.
(٩) الكشاف: ١/ ٥٢٠.
(١٠) معاني القرآن: ٢/ ٦٠.
(١١) تفسير السعدي: ١٨٢.
(١٢) التفسير الميسر: ٨٦.
(١٣) معاني القرآن: ٢/ ٦٠.
(١٤) الكشاف: ١/ ٥٢٠ - ٥٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>